يوم الجمعة الماضي (19 -12) زفت إلينا صحفنا الخبرين التاليين: على الصفحة الاولى في «الاهرام» اخبرنا بان اجهزة الامن «ألقت القبض على افراد خلية تنتمي لجماعة الاخوان المحظورة، تجري اتصالات مع عناصر من حركة حماس الفلسطينية. وتنقل اليها اموال التبرعات التي يتم جمعها لمصلحة الشعب الفلسطيني». اضاف الخبر ان الذي شكل هذه الخلية هو الدكتور جمال عبدالسلام مدير لجنة الاغاثة والطوارئ باتحاد الاطباء العرب، اما اعضاء الخلية فهما اثنان احدهما طالب جامعي عمره عشرون عاما، والثاني تخرج لتوه في الجامعة وعمره 24 عاما. وقد أمرت النيابة بحبس الثلاثة لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات. الخبر الثاني نشرته صحيفة «الشرق الاوسط». وخلاصته ان مؤسسة كلينتون، الرئيس الاميركي السابق، اعلنت عن تفاصيل التبرعات التي تلقتها من دول وشخصيات اجنبية لتمويل انشطتها الخيرية. وان هذه الخطوة تمت استجابة لطلب الرئيس المنتخب اوباما، الذي اشترط على السيدة هيلاري كلينتون ان يعلن زوجها عن تفاصيل التبرعات التي تلقتها مؤسسته من جهات اجنبية، قبل توليها منصب وزيرة الخارجية حتى لا يحدث التباس أو تضارب مصالح بين مهامها وأنشطة المؤسسة. في القائمة المعلنة تبين ان من بين المتبرعين اطرافا عربية في السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان. فقد تبرعت السعودية بمبالغ تراوحت بين عشرة و25 مليون دولار لمكتب كلينتون وأعمال مؤسسته الخيرية الخاصة لمكافحة مرض الايدز ومحاربة الفقر، وهناك رجل أعمال سعودي اسمه ناصر الراشد تبرع بمبلغ ما بين مليون إلى خمسة ملايين دولار، كما أن مؤسسة دبي تبرعت بمبلغ ما بين مليون إلى خمسة ملايين دولار.الخبران يرسمان صورة صادمة وفاضحة لواقع دول «الاعتدال» العربي. فالتبرع لحماس أو لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة جريمة، في حين ان التبرع بالملايين إلى مؤسسة كلينتون مباح ومستحب ومحاط بالرعاية والترحيب، ولست أشك في أن اتحاد الاطباء العرب ولجنة الإغاثة فيه التي يديرها الدكتور جمال عبدالسلام لو قدما تبرعا لمؤسسة كلينتون.باعتبار أن لها أنشطتها الخيرية والإغاثية لتم تكريم مديرها المحبوس الآن في سجن طرة. ولكن الرجل أخطأ في رصد اتجاهات الريح، ونشط في جمع التبرعات وإغاثة المأزومين والملهوفين في فلسطين ولبنان والصومال والسودان واليمن والبوسنة، وكان له دوره المشهود في إغاثة ضحايا الزلزال في مصر عام 1992، وضحايا انهيار جبل المقطم في ضواحي القاهرة هذا العام. حيث سارع إلى اقامة معسكر ميداني لاسعاف الناجين والمساهمة في اغاثة المنكوبين.وبسبب تلك السلسلة من «الأخطاء» فقد استحق الرجل أن يودع السجن وتلفق له قضية ساذجة، اتهم فيها بأنه شكل «خلية» مع اثنين من الشبان في عمر ابنائه، الفضيحة ليست في ذلك فقط، ولكن في الطريقة التي اذيع بها الخبر من وزارة الداخلية، من ناحية لان لجنة الاغاثة باتحاد الاطباء العرب لا تقدم اموالا لاحد، ولكنها تقدم علاجات وادوية واجهزة طبية بالدرجة الاولى، وفي حالات الكوارث فإنها تقدم اغطية واغذية للمنكوبين.وتلك وظيفتها الاساسية التي تقوم بها منذ سنوات، واستحقت الشكر والتقدير سواء من جانب جامعة الدول العربية او من قادة الدول التي عملت فيها، وكان ذلك الجهد هو صلب «الجريمة» التي حمل الدكتور جمال عبدالسلام المسؤولية عنها. من ناحية اخرى فليس مفهوما ان يعد جمع التبرعات لهذه الاغراض جريمة يجري التحقيق فيها ويحبس الرجل وغيره بسببها. واذا كان ما تفعله لجنة الاغاثة مقصورا على ارسال الادوية والاجهزة الطبية بالدرجة الاولى، فكيف يمكن ان يقال انها موجهة إلى حماس بالذات، في حين انه لا مجال لاستخدامها الا في المستشفيات العامة. وحتى اذا افترضنا جدلاً انها لحماس، فكيف تصبح هذه تهمة وجريمة، في الوقت الذي تعلن في مصر رسمياً انها تقف على مسافة واحدة من مختلف الفصائل الفلسطينية؟! ان مصر بهذا التصرف الأخرق لا تعاقب لجنة الاغاثة ولا حماس، ولكنها تعاقب الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق