الأحد، 30 أغسطس 2009

هل مولت السعودية الجماعات السلفية الجهادية في غزة ؟؟؟؟

هذا المقال كتب في موقع مقرب من الاستخبارات الاسرائيلية قبل اكثر من 5 شهور




DEBKAfile Exclusive Report

March 23, 2009, 8:06 AM (GMT+02:00)


Saudis create anti-Israel Palestinian "militia"in Gaza to combat Hamas


DEBKAfile's military sources disclose that Saudi intelligence services are deep in recruitment for a new radical Islamist terrorist militia in the southern Gaza Strip towns of Deir al Balakh, Khan Younes and Rafah, with Egyptian blessing. More than 1,000 Palestinians have joined up in two weeks, poached from the extreme Hamas fringes and the Salafi sects.

Recruiters promise greater militancy against Israel than Hamas and Jihad Islami combined.

The new Gaza group is intended to complement the pro-Saudi organization established in southern Lebanon in January, part of a new Riyadh project to establish a chain of Islamist, Taliban-style fighting cadres under Saudi control for combating the pro-Iranian and al Qaeda terrorist organizations strung across the Middle East.

The Saudis are pumping into southern Gaza weapons, cash and dozens of military instructors for a strong infrastructure. This flow could not have taken place through Egyptian territory without Cairo's knowledge and approval.

DEBKAfile's Middle East sources disclose the hand behind this grand design is the Saudi intelligence chief Prince Muqrin Abdul Aziz. He has used Hamas leaders' absence and their preoccupation in Cairo with prisoner swap negotiations with Israel and Palestinian unity talks to lay the groundwork for the pro-Saudi Palestinian terror group in the Gaza Strip.

The organization up and running in S. Lebanon, dubbed the Arab Islamic Resistance Organization, soon challenged pro-Iranian Hizballah's domination of South Lebanon by becoming the first non-Hizballah element ever to stage a comprehensive "war game" close to the Israeli border without Iran's proxy interfering.

Exercises included chemical warfare drill, a sign that the Saudis are preparing to arm their new terrorist network with sophisticated means of war.

ساترجم المقال في وقت لاحق

http://www.debka.com/headline.php?hid=5970

تنظيم "جند انصار الله" في غزة مصادر تمويله مجهولة وعناصره من الشباب المندفعي

غزة / الساعة كانت الثانية ظهرا. درجة الحرارة كانت مرتفعة بشكل خاص يوم الثلاثاء الماضي. الشوارع المؤدية إلى مسجد "ابن تيمية" كانت خالية تقريبا من المارة، حيث ينصرف الناس للقيلولة في مثل هذه الأوقات وتحديدا في شهر رمضان، باستثناء بعض الصبية الذين يلهون مستظلين بجدران المسجد الذي أصيب بأضرار كبيرة جراء المواجهات التي دارت حوله بين عناصر جماعة "جند أنصار الله" وعناصر الشرطة التابعة للحكومة المقالة في غزة برئاسة إسماعيل هنية.

المسجد الذي يقع على الخط الفاصل بين حي "البرازيل" وحي "السلام"، لم تعد تؤدى فيه الصلوات بسبب ما أصابه من أضرار. وقد حدا ذلك بالناس للانتقال للصلاة في مساجد أخرى تقع في عمق حيي "البرازيل" و"السلام". لكن الناس هنا، وكعادة أهل غزة بشكل عام، لديهم دائما جديد يحوز على اهتمامهم. فالناس الذين بدأوا بالخروج من منازلهم قبيل صلاة العصر، كان تشغلهم نتائج القصف الإسرائيلي الذي استهدف فجر الثلاثاء منطقة الأنفاق التي تقع جنوب المنطقة وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص من بينهم ثلاثة أشقاء وجرح عشرة آخرين. بعض المنازل في محيط المسجد تعرضت لأضرار واضحة جراء عملية القصف التي استخدمت فيها إسرائيل طائرات "إف 15" والتي ألقت قنابل تزن الواحدة منها طنا من المتفجرات.

معظم الناس هنا، ومنهم من كان موجودا داخل المسجد عندما وقعت المواجهات الدامية بين الشرطة والجماعة السلفية الجهادية، لا يرغبون في الحديث لوسائل الإعلام. وحتى عندما توجهت "الشرق الأوسط" لأحد الزملاء الصحافيين الذين يقطنون المنطقة رفض الإشارة إلى اسمه. إلا أن أحمد الأهدب صاحب أحد المحال التجارية في المنطقة قال لـ"الشرق الأوسط" إنه كان موجودا في المسجد أثناء خطبة الجمعة عندما أعلن الدكتور عبد اللطيف موسى زعيم جماعة "جند أنصار الله"، عن إقامة الإمارة الإسلامية.

وأشار إلى أن جميع من كان في المسجد فوجئ بإعلان الإمارة، باستثناء العناصر الذين ينتمون للجماعة ذاتها. وقال أحمد إن أكثر ما أثار استهجان الناس قبيل الصلاة وأثناء الخطبة، هو وصول موسى في موكب من المسلحين المدججين بالسلاح واتخاذهم مواقع داخل المسجد قبيل الخطبة، وكأنهم كانوا يتوقعون ردا على ما كان موسى سيقوله في خطبته. الصحافي الذي تحدثت إليه "الشرق الأوسط" وكان موجودا في المكان، قال إنه بعد أن ألقى موسى خطبته أحاطت عناصر الشرطة بالمنطقة التي يوجد فيها المسجد من دون الاقتراب من المسجد نفسه، حيث زاد التوتر في المكان، وأخذ الناس يتركون المسجد.

وأشار إلى أن ذوي عدد من الشباب الذين كانوا يتحصنون داخل المسجد، حضروا لإجبار أبنائهم على المغادرة، لكنهم خافوا أن يتعرضوا لمكروه، فتدخلت وساطات بين عناصر الشرطة الذين اقتربوا من المسجد وبين جماعة "أنصار جند الله" للسماح بإخلاء المسجد وتطويق الأزمة. وأضاف أن أحد الذين تدخلوا للتوسط بين الشرطة وجماعة "جند أنصار الله"، كان محمد الشمالي الذي يعتبر قائد "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس" في مدينة رفح. وقال إنه بينما كان الشمالي يقف عند بوابة المسجد وينظم خروج بعض الذين كانوا في الداخل، أطلقت عليه النار فقتل على الفور، الأمر الذي شكل نقطة تحول فارقة في الأحداث، إذ قامت الشرطة بإنذار المتحصنين في المسجد بتسليم أنفسهم، مشيرا إلى أنه لم يكد يمضي وقت قليل حتى اندلعت مواجهات كثيفة في محيط المسجد بين عناصر الشرطة وعناصر الجماعة امتدت حتى ساعات الصباح.

ويروي خليل الذي رفض الكشف عن اسم عائلته لـ"الشرق الأوسط" أنه كان هناك توازن في القوة في بداية المواجهات، حيث إن كلا من الطرفين استخدم الأسلحة نفسها التي شملت الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ"آر بي جي"، حيث تبادل الطرفان القصف. وقال خليل إنه على مدار سبع ساعات تواصلت الاشتباكات من دون أن يكون أحد قادرا على تمييز ما حدث، حيث كانت الشرطة تحظر على الصحافيين ووسائل الإعلام والمدنيين التحرك في المنطقة بحجة الخوف على سلامتهم، حيث تمت في هذه المرحلة محاصرة منزل الدكتور موسى، حيث دمر.

وحتى بعد أكثر من أسبوعين على المواجهات الدامية فإن من الناس هنا من يتبنى رواية الشرطة التي تقول إن عبوات ناسفة كانت مخبأة بداخله انفجرت فأدت إلى تدميره، وهناك من يتبنى رواية الجماعة التي تقول إن الشرطة قامت بتفخيخ المنزل وتفجيره. وفي المحصلة، قتل موسى و28 آخرون، من بينهم 12 من عناصر الشرطة وطفلان. عائلة موسى لم تعد تقيم بالمكان بعد تدمير المنزل، لكن أهل الحي ينقلون عنها أن الشرطة قامت بتصفية اثنين من الجرحى بعد استسلامهم، وهذا ما نفته الشرطة بكل قوة.

وإن كان معظم الذين تحدثت إليهم "الشرق الأوسط" في المنطقة ينكرون على موسى إعلانه الإمارة، إلا أنهم يشهدون له بـ"الصلاح والتقوى"، ويشيرون بشكل خاص إلى حقيقة أنه كان حافظا لكتاب الله وأنه كان يداوي المصابين بالمس بالقرآن، فضلا عن دوره الكبير في "الدعوة إلى الله". لكن ما لم يختلف عليه اثنان في المنطقة التي يقطن فيها موسى هو حقيقة بروزه في الأشهر الأربعة الأخيرة التي سبقت مقتله فقط باعتباره منتميا لجماعة السلفية الجهادية، حيث إنه كان معروفا بانتمائه للسلفية غير الجهادية، مع العلم أن هناك حالة من العداء بين السلفية الجهادية والسلفية غير الجهادية في فلسطين، وفي غيرها من المناطق.

ويؤكد كثيرون في المنطقة أن كلا من حكومة هنية وحركة "حماس" قامت بإرسال عدد من الوسطاء لموسى لحثه على قطع ارتباطه بهذه الجماعة، لا سيما بعدما اتهمتها وزارة الداخلية بالمسؤولية عن عدد كبير من عمليات التفجير التي استهدفت مقاهي الإنترنت وصالات الأفراح وصالونات التجميل ودور العبادة التابعة للمسيحيين، إلا أن موسى رفض كل العروض. ويقول الذين يعرفون موسى إنه مشهود له بالشدة والثبات وعدم إبداء مرونة إزاء ما هو مقتنع به.

وفي أعقاب ما حدث هددت مجموعة سلفية غير معروفة باستهداف قيادة "حماس". وفي بيان صادر عنها، قالت جماعة "سيوف الحق" إنها ستستهدف قادة "حماس" ومراكز الأمن التابعة لحكومة إسماعيل هنية، محذرة الناس من الاقتراب من هذه المراكز أو المساجد التي يؤدي فيها قادة "حماس" صلواتهم. لكن بعد ساعات على هذا التهديد، غيرت جماعات السلفية الجهادية من لهجتها، فأصدرت بيانا موقعا بـ"الجماعات السلفية الجهادية بفلسطين" نفت فيه بشدة تكفير أي جماعة أو تنظيم آخر. وجاء في البيان: "نحن أبناء شعب واحد وقضيتنا واحدة ولا يجوز إراقة الدم تحت أي ظرف من الظروف"، نافية أن تكون في حرب مع "حماس"، مؤكدة أنها ليست في حرب ضد "حماس" أو أي فصيل فلسطيني "بغض النظر عن الاختلافات والرؤى". وعبرت عن رفضها لتكفير من يقول "لا إله إلا الله". ونفت "الجماعات السلفية" أن يكون "خطاب إعلان الإمارة الإسلامية" قد دعا إلى تكفير "أبناء شعبنا" أو أي حكومات، مشيرة إلى أن "إعلان الإمارة" جاء بعد اتفاق قيادات جماعة "جند أنصار الله" وطرحها فيما بعد على الجماعات الأخرى للبيعة تحت اتفاق واضح يحرم التعدي على حرمات المواطنين. ووصفت الجماعات قيام حكومة "حماس" بتصفية عبد اللطيف موسى أحد أقطاب السلفية وجماعته في قطاع غزة بـ"رد الفعل المتسرع".

وأضافت: "لدى حماس فهم خاطئ لما دعا إليه الشيخ عبد اللطيف موسى"، مستنكرة "تهويل" خطابه ووصف الناطقين باسم الداخلية المقالة موسى وأتباعه بأنهم جماعات تكفيرية. وقالت الجماعة إن أجهزة أمن "حماس" تقوم بملاحقة عناصرها، مشيرة الى أن حكومة "حماس" حملت الجماعات السلفية مسؤولية تفجير حفل زفاف يعود لعائلة دحلان في خان يونس، حيث قامت الحكومة بحملة مطاردة لنشطاء هذه الجماعات.

وأشارت "الجماعات" إلى أن الملاحقات توقفت بعد تدخل شخصيات إسلامية، مشيرة إلى أن "حماس" خاضت حربا إعلامية ضد الجماعات عبر كتابها في الداخل وكتاب ينتسبون للإخوان المسلمين في الخارج. وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية طبقت تعليمات حكومة هنية التي استغلت إعلان عبد اللطيف موسى "الإمارة الإسلامية"، في حسم الأمور عسكريا من دون المحاورة واتخاذ الطرق السليمة لوقف أي عمليات قد تؤجج حالة الصراع.

حكومة هنية التي حملت المسؤولية حتى من كثير من الأوساط داخل حركة "حماس" نفسها لعدم اتباعها أسلوبا حاسما في مواجهة هذه الجماعات وحصر التعامل معها في مجال المواجهة الفكرية، باتت أكثر تصميما على وضع حد لأنشطة هذه الجماعات، اذ قامت باعتقال كل من ينتمي إليها، حيث أكدت أنها ضبطت كميات كبيرة من العبوات الناسفة والسلاح، الذي قالت إن هذه الجماعات كانت تخطط لاستخدامه في العودة بالقطاع لحالة الفلتان الأمني.

وفي الوقت نفسه حافظت حكومة هنية وحركة "حماس" على خطاب دعائي واضح، حيث إنها باتت تقدم هذه الجماعات على أنها جماعات تكفيرية ضلالية متهورة. ويكثر الناطقون باسم الحكومة من تشبيه المنتمين لهذه الجماعات بالخوارج . ليس هذا فحسب، بل إن حركة "حماس" استعانت بفتاوى صدرت خصيصا من عدد من كبار علماء التيار السلفي في دول الخليج واليمن ومصر تعتبر أن "حماس" "تمثل جماعة المسلمين في فلسطين وأنه لا يجوز الخروج عليها". قناة "الأقصى" الفضائية التابعة للحركة لا تنفك عن إجراء المقابلات مع هؤلاء العلماء. وتدلل المؤشرات على أن الحملة الدعائية لحركة "حماس" نجحت في إثارة رعب الغزيين من هذه الجماعات وتأثيرها.

وبخلاف ما هو سائد حاليا، فإن أول ظهور لنشطاء يتبنون فكر السلفية الجهادية كان في عام 2002، عندما كانت السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات وأجهزتها الأمنية تسيطر على القطاع. فقد عقد مدير جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة في ذلك الوقت رشيد أبو شباك مؤتمرا صحافيا في ديسمبر (كانون الأول) 2002 أكد فيه أن ضباط الاستخبارات الإسرائيلية قدموا أنفسهم لشبان فلسطينيين على أنهم نشطاء في تنظيم "القاعدة" في الخارج، وطلبوا منهم تشكيل نواة للتنظيم داخل القطاع. وقال أبو شباك في المؤتمر: "حققنا في عدة حالات قام خلالها عملاء إسرائيليون بتجنيد فلسطينيين في قطاع غزة بحجة العمل مع تنظيم القاعدة".

وأشار أبو شباك إلى ثماني حالات لفلسطينيين كان ضباط استخبارات إسرائيليون يتصلون بهم ويوهمونهم بأنهم ينتمون لتنظيم "القاعدة". وأوضح أبو شباك في المؤتمر الصحافي أن إسرائيل من خلال هذه الممارسات تحاول تلطيخ سمعة السلطة الفلسطينية. وأكد أن بعض الأشخاص توجهوا لجهاز الأمن الوقائي ليدلوا بمعلومات حول الاتصالات التي أجريت معهم باسم تنظيم "القاعدة"، بعدما انتاب هؤلاء الأشخاص الشكوك وشعروا بأن المخابرات الإسرائيلية قد تكون وراءها، وهو ما ثبتت صحته بعد المتابعة.

وفي الشهر نفسه، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون أن تنظيم "القاعدة" جند فلسطينيين وشكل خلايا في غزة لضرب أهداف إسرائيلية. وقد اعتبرت السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت تصريحات شارون "محاولة إسرائيلية مكشوفة لتشويه صورة الشعب الفلسطيني". واعتبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تصريحات شارون "كذبة كبيرة جدا للتغطية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني". كما رد ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على تصريحات شارون قائلا إن "هناك عناصر من عملاء إسرائيل صدرت لها تعليمات من جانب موساد بتشكيل خلية تحت اسم القاعدة في قطاع غزة من أجل تبرير الهجوم على مناطق السلطة ولتسويغ الحملات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة".

في حين اعتبر مدير دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أن شارون يحاول الربط بين المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال وتنظيم "القاعدة"، تمهيدا لاجتياح غزة وإعادة احتلالها كليا، متهما شارون بالبحث عن "ذريعة ليقنع العالم بشن حملة دولية على الفلسطينيين".

أما وزير الشؤون الخارجية في السلطة نبيل شعث فقال إنه أطلع الدبلوماسيين والقناصل الأجانب على محاولة الاستخبارات الإسرائيلية تجنيد مواطنين فلسطينيين باسم تنظيم "القاعدة"، منوها بأنه تمت مطالبة الدبلوماسيين "بالتحرك العاجل لوقف أي اعتداء إسرائيلي محتمل على القطاع أو الضفة الغربية تحت ذريعة تلك الادعاءات الزائفة". وفي عام 2005 وقبل عام من إجراء الانتخابات التشريعية وفوز "حماس"، قام مجهولون باستهداف فنادق ومقاهي الإنترنت وصالونات حلاقة، لكن أحدا حينها لم يربط هذه التفجيرات بالسلفية الجهادية، إذ إن هذه الفترة قد شهدت أوسع مظاهر الفلتان الأمني في القطاع.

وبعد إجراء الانتخابات التشريعية عام 2006، وفوز حركة "حماس" وتشكيلها أول حكومة برئاسة إسماعيل هنية زادت التفجيرات، وظهرت جماعة تتعاطف مع أفكار تنظيم "القاعدة" وكان يطلق عليها "جيش الإسلام" التي يقودها ممتاز دغمش الذي ينتمي لإحدى العائلات الغزية الكبيرة. وعلى الرغم من أن العلاقة بين "حماس" و"جيش الإسلام" كانت جيدة، إلا أنها سرعان من توترت بشكل كبير بعدما قامت الجماعة باختطاف عدد كبير من الأجانب، حين كانت أشهر عمليات الاختطاف هذه اختطاف الصحافي البريطاني ألان جونستون.

من جهتها، كانت "حماس" تؤكد أن لديها دلائل قوية على أن محمد دحلان مستشار الأمن القومي في السلطة الفلسطينية هو الذي يحرك هذه الجماعة ويدفعها للقيام بهذه الأعمال رغبة منه في التدليل على عدم أهلية حركة "حماس" لحكم قطاع غزة. وأكدت "حماس" أن دحلان نجح في توظيف هذه الجماعات لصالحه ضد حركة "حماس" في الفترة الممتدة بين الانتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) 2006 وسيطرة "حماس" على القطاع بعد حسمها المواجهة مع حركة "فتح" وأجهزتها الأمنية عسكريا في منتصف يونيو (حزيران) عام 2007.

وتؤكد حكومة "حماس" أن دحلان كان يمد هذه الجماعة بالمال والسلاح. وعندما سيطرت "حماس" على قطاع غزة عسكريا وجهت ضربة قاصمة لـ"جيش الإسلام" وأطلقت سراح جونستون. لكن تبين في ما بعد أن الحديث يدور عن ظاهرة، لا سيما بعدما بدا للكثيرين أن "حماس" تغادر مربع المقاومة إلى الحكم. فخرجت بعض جماعات السلفية الجهادية بعدة مسميات، فتارة يطلقون على أنفسهم "جيش الأمة"، وأخرى "كتائب التوحيد والجهاد"، وأحيانا "سيوف الحق" و"جند أنصار الله".

وبحسب المصادر الأمنية الفلسطينية، فإن معظم الذين ينتمون إلى هذه التنظيمات هم في الأساس عناصر في تنظيمات إسلامية وغير إسلامية تعمل في القطاع مثل حركة "حماس" والجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية وغيرها من التنظيمات. وما يجمع هؤلاء الشباب هو الحماس لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مع العلم أن أعمار هؤلاء الشباب تتراوح بين العشرين والثلاثين عاما.

ومنذ البداية أبدت حركة "حماس" حساسية شديدة تجاه هذه التنظيمات، فالتباين الفكري بين "حماس" وهذه الجماعات كبير وصارخ. ف"حماس" التي تتبنى العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل حدود فلسطين تبدي معارضة شديدة قوية لأفكار "الجهاد العالمي" التي تتبناها هذه التنظيمات والتي تبيح مهاجمة الأهداف الغربية والمسيحية. علاوة على ذلك، فإن حركة "حماس" تعي أن اعتماد هذه التنظيمات خطابا إسلاميا قد يفضي إلى نجاحها في استمالة أعداد أكبر من الشباب الفلسطيني لصالحها، مع كل ما يفرضه هذا من تحديات على كاهل "حماس" وحكومتها، حيث إن انتشار مثل هذه الجماعات لن يشكل عبئا أمنيا واجتماعيا على الحركة، بل عبئا سياسيا، إذ إنه سيضفي مصداقية على اتهامات خصوم "حماس" في السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذين يقولون إن "حماس" عمليا حولت قطاع غزة إلى "إمارة إسلامية"، على غرار الإمارات التي يعلن عنها قادة تنظيم "القاعدة" في مناطق وجودهم.

وهناك غموض شديد حول مصادر تمويل وتسليح هذه الجماعات، إذ إنه بالإضافة إلى ميل قادة هذه الجماعات للاختفاء عن الأنظار، وفي ظل الحملة الأمنية التي يتعرضون لها، فإنه من خلال المقابلات القليلة التي أجراها الناطقون باسم هذه الجماعات مع وسائل الإعلام، فإنهم يحرصون على التأكيد أنهم يتلقون المساعدات من "أهل السنة والجماعة". لكن "حماس" وحكومتها تؤكد أنهم يتلقون الدعم والتسليح من حركة "فتح".

وقد أكد أكثر من ناطق باسم "حماس" أن نشطاء "فتح" قاموا بتزويد هذه الجماعات بالسلاح الذي خلفته الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بعد هزيمتها في المواجهة التي خاضتها مع الحركة في حزيران (يونيو)2007.

وقد مثل ما حدث مصلحة إسرائيلية بشكل واضح. فقد أبدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ارتياحا كبيرا للأحداث التي جرت في رفح. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية عن مصدر في الجيش الإسرائيلي قوله إن هناك ارتياحا شديدا في أوساط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لقيام المجموعة السلفية بتصفية محمد الشمالي، منوها بأن الشمالي لعب دورا أساسيا في عملية اقتحام الموقع الأمني الإسرائيلي في معبر "كرم أبو سالم" أقصى جنوب شرقي القطاع في أيار (مايو) من عام 2006، وهي العملية التي اختطف فيها الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت، فضلا عن مسؤوليته عن عدد كبير من العمليات التي أسفرت عن مقتل وجرح جنود ومستوطنين يهود في القطاع.

الأحد، 23 أغسطس 2009

مهزلة فتح: العمود الفقري للاحتلال الإسرائيلي.....أسعد أبو خليل*

هل هناك مكان للمهازل في خضم النكبات؟ هل تجوز السخرية في زمن الخيبة المفروضة رغم تحقيق اختراقات نوعيّة وكمّية في المقاومة العربيّة ضدّ إسرائيل؟ هذا الحديث هو من وحي مؤتمر حركة فتح في بيت لحم بحراسة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن سمح بإدخالهم من ميليشيا «ديتون». وقد اختارت زمرة عباس ــ دحلان أن تجعل من الاحتفال، الذي صاحبه الكثير من التهريج الذي أضرّ بأصحابِه من دون أن يدروا، مناسبة لتتويج من تَوّجَهُ الاحتلال أصلاً بالاتفاق مع أميركا والأنظمة العربيّة الموالية

......



هل كان إعلان الدعم المالي السعودي لحكومة سلام فيّاض (الخليفة المُنتقى لمحمود عباس رغم حصوله على حوالى 1% من أصوات شعب فلسطين في آخر انتخابات اشتراعيّة) بريئاً من الهوى، مثلما كان هناك في لبنان قبيل الانتخابات إعلان سعودي مفاجئ لحلّ مشكلة مكبّ النفايات في صيدا لدعم ترشيح السنيورة، وإن كان وزير الداخليّة اللبناني لم يلاحظ ذلك، مثلما لم يلاحظ مخالفة البطريرك العروبي ـــــ ليوم واحد فقط ـــــ لقانون الانتخابات نفسه؟

محمود عباس هو اليوم مُنصّب بأيدي الاحتلال والأنظمة العربيّة، لأن ولايته انتهت في شهر كانون الثاني الماضي، مع أن بان كي مون وتيري رود لارسن ـــــ والأخير هو المفوّض الخاص بالمصلحة الصهيونيّة في مجلس الأمن ـــــ أصرّا على أن الأمم المتحدة لا تقبل أن يجدّد أي رئيس ولايته أو أن يبقى يوماً واحداً بعد انتهاء ولايته، إلا إذا كان ملكاً متسلّطاً أو ديكتاتوراً يعترف بإسقاطه لطائرة مدنيّة أو سلطاناً مطلق الصلاحيّة، أو رئيساً منتهي الولاية لسلطة منتدبة قبل الاحتلال. لكنّ الاستعمار يغفر دون العصيان والرفض والنشاز ما يشاء.
الحديث عن مهزلة مهرجان فتح يفتح جروحاً عميقة عن تاريخ حركة فتح ومنه. وتاريخ حركة فتح ينضبُ في المذكّرات التي صدرت حديثاً لإلياس شوفاني. وإلياس شوفاني (واحد من المؤسِّسين الروّاد للدراسة الأكاديميّة الجادة للصهيونيّة وإسرائيل، فيما كان شوقي عبد الناصر وعجاج نويهض يكتفيان بنشر «بروتوكالات حكماء صهيون» المُزوّرة لفهم إسرائيل) يمثّل نمطاً من العضويّة اندثر في حركة فتح. كان عام 1982 والطريقة التي أمرّ بها عرفات سرّاً قرار الانسحاب من بيروت هما آخر قشّة عند فريق المبدئيّين في الحركة، التي بدأت كـ«العمود الفقري للثورة الفلسطينيّة» وتحوّلت العمود الفقري للاحتلال الإسرائيلي. بعضهم تقاعد من النضال وإلى الأبد، والبعض الآخر توفي في ظروف غامضة (مثل ماجد أبو شرار أو حنا ميخائيل الذي ذهب في زورق في عرض البحر ولم يعدْ)، والبعض الآخر انضم إلى حركة فتح ـــــ الانتفاضة.
قصة إلياس شوفاني هي قصة الخيبة والكآبة في حركة فتح: قصة ذلك التنظيم شبه السرّي في داخل الحركة. الحركة التي وعدت بثورة حتى النصر، لكنها لم تقم بثورة أو حتى بكاريكاتور ثورة، وحوّلت الهزيمة ـــــ على طريقة الأنظمة العربيّة ـــــ إلى نصر مبين. عاش شوفاني في كنف الاحتلال الإسرائيلي البغيض الذي حوّل صاحب الأرض إلى ضيف يحتاج إلى أذونات للتجوال والرحيل والتنقّل في أرجاء وطنه (أو وطنها). ملكيّة الأرض تحوّلت في عمليّة سرقة عامّة وشاملة إلى «ملكيّة غير قابلة للتصرّف» للشعب اليهودي برمّته: أي إن اليهودي في بروكلين يملك في أرض لم يزرْها أكثر من صاحب الأرض ومالك مفاتيح البيوت القابع في مخيّمات اللاجئين. درس شوفاني في الجامعة العبريّة. وفي روايته الكثير عن الاستشراق الإسرائيلي وسماته. هاجر إلى الولايات المتحدة ونشط في حركة فتح .
في المهجر. وبعدما نال تثبيتاً وترقية في جامعة ماريلاند في قسم التاريخ، ترك كل شيء وراءه وهاجر للانضمام إلى حركة ظن أنها واعدة. هذا نموذج من الالتزام المبدئي الذي لا وجود له اليوم في صفوف حركة باتت تتّسم بالانتفاع والارتزاق والاكتساب. لم يطل الأمر بشوفاني لاكتشاف الحقيقة. الخيبات تراكمت وازدادت، ومحاولات التغيير من الداخل عجزت باكراً.
وعاد شوفاني إلى بيروت ليكتشف حقيقة حركة فتح. لاحظ قبل أن يعود إلى بيروت أن الحركة قامت بحملة قِطْريّة شوفينيّة توخّت فصل العمل الفلسطيني ـــــ حتى في المهاجر ـــــ عن العمل النقابي والقطاعي العربي، مع أن عدداً ليس بسيطاً من المراجع الفتحاويّة لم تكن فلسطينيّة الجنسيّة. هذا ما عناه ياسر عرفات برفع شعار «استقلاليّة القرار الفلسطينيّ»: فهو لم يحقّق الاستقلاليّة، وفوق ذلك قطع صلات الوصل مع حملات التطوّع العربيّة الجيّاشة ـــــ في ذلك الحين. عزلت فتح الثورة الفلسطينيّة عن جماهير التطوّع العربي. وكانت الحركة بعيدة عن الاستقلاليّة، لا فقط بسب ارتباط عرفات المبكّر بدول الخليج، بل بسبب الانفلاش والتسيّب التنظيمي الذي وسم الحركة منذ نشوئها. ويضحك المرء عندما يراجع كتيّبات حركة فتح الأولى وهي تتحدّث عن السريّة: «حركتنا حركة سريّة، وهي سريّة لأن هنالك ظروفاً تملي عليها ذلك». (حركة فتح، القواعد العشر الأساسيّة في التنظيم، ص. 23).

سرعان ما اكتشف المتطوّع شوفاني شخصيّة محمود عباس، وذلك عندما كان الأخير يشغل مسؤوليّة «التعبئة والتنظيم» في الحركة، وهو الذي أصرّ على فصل التطوّع الفلسطيني عن العمل العربي المشترك. كذلك فإن شوفاني، الخبير الرصين والجاد في الشأن الصهيوني، قد سخر من محاولة عباس الظهور (بعدما حصل على شهادة دكتوراه من جامعة باتريس لومومبا وتضمّنت أطروحته تشكيكاً في المحرقة لكنّ إسرائيل وليبراليّي أمراء آل سعود في الإعلام العربي يغفرون اللاساميّة إذا صدرت عن الصهاينة العرب مثل السادات وأبو مازن) مظهر الخبير بموضوع إسرائيل. وكان يروّج في صفوف الحركة لخبريّة خطته لإضعاف إسرائيل من خلال حثّ اليهود المغاربة على العودة إلى المغرب. هذه كانت خطة عباس السريّة لتقويض إسرائيل وتحرير فلسطين. وعندما انضمّ شوفاني إلى المجلس الوطني الفلسطيني، أعطاه عباس درساً عن سائر أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، قائلاً له عنهم: «هؤلاء بقر». (إلياس شوفاني، مرثية الصفاء، ص 194). لكنّ مأساة شوفاني تفاقمت عندما اكتشف بعد انضمامه المتسرّع إلى حركة فتح ـــــ الانتفاضة أنها تكرار لتجربة فتح بكل مساوئها وقباحتها وفسادها. تقاعد شوفاني من النضال، مثلما تقاعد هؤلاء المبدئيون الذين انضموا إلى ما ظنّوه ثورة فاكتشفوا حالة من الفساد تتناقض مع أوّليات الثورة والتحرّر الوطني.
لكنّ بوادر الفساد والضعف والضرر في حركة فتح برزت باكراً جداً، وكان يمكن التنبّه إليها. وصمها ياسر عرفات بوصمته الضارّة منذ البدايات.

لم تعوّل الحركة على الصدق، واعتمد عرفات في بروزه وصعوده احتكار المصادر الماليّة. عرف كيف يجيّر النشاط الثوري ويحوّله إلى حركة بيروقراطيّة تشبه الجيوش العربيّة في حرب 1948 أكثر مما تشبه حركات ثوريّة مقاتلة. السيطرة على كل مفاصل الحركة كانت الأولويّة. وكان عرفات منذ البداية موارباً ومرائياً ومهيناً للشعب العربي والفلسطيني من خلال:
1ـــــ التحدث بلغتيْن: واحدة بالعربيّة موجهة إلى الشعب العربي، وواحدة بالأجنبيّة موجهة إلى أميركا وإسرائيل.
2ـــــ الإصرار على المبالغة والكذب في البيانات العسكريّة وفي الحديث التنظيمي. تعود إلى عام 1968، مثلاً، فتجد أن حركة فتح زعمت في شهر واحد (تشرين الثاني 1968) أنها قتلت أو جرحت 650 جندياً إسرائيلياً، ودمّرت 59 آلية وسيارة عسكريّة، و22 دبّابة، و26 منشأة حيويّة، ومخفراً ومركزاً ومهجعاً للجنود، و20 مدفعاً من مختلف الأنواع، و5 مواقع للمراقبة، وأبادت 13 كميناً للعدو،نسفت قطاراً ودمّرت سكة حديديّة في أربعة مواقع، ونسفت مستودعاً للذخيرة وغنمت رشاشيْن من طراز ناتو وكميات من الذخيرة والقنابل اليدويّة، بينما بلغت خسائر فتح في كل هذه المعارك البطوليّة 7 شهداء (راجع كتاب فتح السنوي لعام 1968، ص 160 ـــــ 161). وبعمليّة حسابيّة بسيطة لا تحتاج إلا إلى معرفة جدول الضرب، يكون الجيش الإسرائيلي قد زال تماماً من الوجود بحلول عام 1980 نتيجة هذا التدمير الهائل على يد الحركة ذات الخيال الخصب. لكن هذه هي حركة فتح وهذا هو أسلوب عرفات في القيادة وفي الادّعاء وفي البهلوانيّة السياسيّة والعسكريّة (كما هو معروف، عرفات كان يصرّ على اعتبار نفسه جنرالاً).
وهناك ما يلفت في التشابه بين شخصيّة عرفات ومساره وشخصيّة أنور السادات ومساره. ليس صدفة أنّ مسار السادات نحو السلام المنفرد مع إسرائيل عبر استجداء رعاية واشنطن تطابَقَ نهجاً وهدفاً مع مسار عرفات نحو السلام المنفرد مع إسرائيل عبر استجداء رعاية واشنطن. تستطيع أن تستقي الصفات المشتركة بين الاثنيْن: القدرة على التحايل على منافسين سياسيّين أكثر ذكاءً وحنكة منهما، ثم الاستيلاء على السلطة المتفرّدة. الاعتماد على دعم سعودي ـــــ خليجي في (ولـِ) مواجهة خصوم سياسيّين. الاعتماد على الحركات المسرحيّة والاستعراضيّة للفت نظر الجمهور وللتأثير (غير الغبي أحياناً) على الرأي العام.


معرفة زمن اقتناص الفرص ووسائل هذا الاقتناص. العنجهيّة مع رفاق الدرب والخنوع مع الغرب والصهاينة. اصطناع التأثّر والتبرّج السياسي أمام الكاميرا. اعتماد الولاء المطلق معياراً للوظيفة وللترقية. الإيمان العميق بأن كل أوراق الحل هي في يد أميركا، وأن ما على العرب إلا الزحف نحو العاصمة الأميركيّة. التسليم بالشروط الإسرائيليّة رغبة في إسعاد الراعي الأميركي. استغلال الاستعراض العسكري بديلاً من العمل العسكري ـــــ المقاوم الجاد لتحرير فلسطين وباقي الأراضي العربيّة المحتلّة. ويلاحظ شوفاني، كما نلاحظ معه، أن عرفات كان في المقصورة الخاصة عندما ألقى السادات تلك الخطبة التي أعلم فيها الأمة بنيّته زيارة القدس المُحتلّة. وليس صدفة أن علاقة حركة فتح بالنظام المصري تطوّرت بعد وفاة عبد الناصر وصعود السادات.

أحاط عقد مؤتمر حركة فتح جملة من الظروف والشروط والتدخّلات التي لم تبدأ ولم تنته بذلك الإعلان المُفاجئ لفاروق القدّومي. والقدّومي واحد من سياسيّي الحركة «العتاق» الذين أتقنوا سياسة «اللعم»، أي الموافقة على الشيء وعكسه. القدومي كان يُعدّ في حقبة عرفات الثالث في التعداد الهرمي بعد عرفات وأبو جهاد، وإن كان دوماً ميّالاً إلى الجناح المناهض للتسوية. لكنّ عرفات عرف كيف يُسكتُه في المحطات الفاصلة: كان يقتّر معه عندما يغضب منه، ويجزل العطاء عندما يكون راضياً. هكذا تعامل عرفات مع الآباء المؤسّسين للحركة: أنشأ لكل «أبو» دكّاناً خاصّاً به، وكان بعضها فعّالاً (مثل الجهاز الاستخباري لأبو أياد. ويستطيع نائب بيروت الجديد، نهاد المشنوق، أن يحدّثنا عنه بشيء من التفصيل) وبعضها الآخر ديكوراً يضفي على الحركة طابعاً مزدوجاً من المسرحيّة والفساد (مثل دكاكين أبو حسن سلامة وأبو الزعيم والحاج إسماعيل ـــــ المسؤول الثاني بعد عرفات عن الانسحاب المُذلّ من دون خطة قتال عام 1982 في مواجهة الغزو الإسرائيلي). لكن أبو اللطف سكت طيلة سنوات عن مفاسد أبو مازن وعن خطة قتل عرفات، وأحرجه خصومه في فتح عندما استشهدوا بما قاله هو في الإشادة بمحمود عبّاس. وصدقية أبو اللطف تعرّضت للاهتزاز في الرد على أوسلو، مع أنه كان واحداً من القادة التاريخيّين لحركة فتح الذين لم يتلوّثوا في جو بيروت قبل 1982. كان واضحاً أن أبا اللطف كان معارضاً لأوسلو، لكنه لم يستطع أو لم يرد أن يجاهر بموقف معارض لعرفات لأنه كان بحاجة إلى تمويل «الدائرة السياسيّة» التي توسّعت وتضخّمت من دون حساب. كان أبو اللطف ينتقد أوسلو يوماً ويصمت يوماً آخر، ثم يصدر موقفاً ملتبساً في يوم ثالث. لكنّ القدومي صمت فيما كانت حركة فتح تتحوّل بالتدريج، وقبل وفاة عرفات، إلى عصابات ميليشيا موالية للاحتلال على غرار جيش لحد في جنوب لبنان. وكان أجدى بأبي اللطف أن يصدر موقفه هذا بناءً على تطوّرات سياسيّة لا على مواقف شخصيّة أو تمويليّة.

ولم يكن نص القدّومي المُسرّب إلى الإعلام (عن اجتماع التخطيط لاغتيال عرفات) ذا صدقيّة تُذكر. من المستحيل أن يكون هناك تدوين رسمي لاجتماع استخباري يُتداول فيه خطة التخلّص من عرفات. ولو كان عرفات حصل على نص الاجتماع ـــــ كما يريدنا القدومي أن نصدّق ـــــ لما كان قد مات على الأرجح. يتّخذ العدو الإسرائيلي قرارات من هذا النوع من دون توريط حلفائه ممن يريدهم أن يخلفوا عرفات. وليس هذا من باب الشك في نظريّة اغتيال عرفات، وهي مرجّحة. ونذكر أن سهى عرفات كانت قد صرّحت بعد وفاة عرفات مباشرةً بكلام غاضب عن ملابسات موته وعن مؤامرة حاكها «المحيطون به»، في إشارة إلى زمرة محمد دحلان (وهو أسوأ فلسطيني، مثل ما كان بشير الجميّل أسوأ لبناني على الإطلاق). لكنّ سهى عرفات سكتت فجأة عن الكلام المباح بعد اجتماع وجيز ومفاوضات ذات طابع غير سياسي مع... فريق المحيطين بعرفات. حتى ناصر القدوة: هو الآخر تمتم بكلام غير مفهوم قبل أن يلتزم الصمت. وصمتت حركة فتح هي الأخرى قبل أن تعبّر، للمرّة الأولى أثناء المؤتمر بصفة رسميّة، عن شكّها في طريقة موت عرفات، لا بل إن حركة فتح أصدرت بياناً اتهمت فيه إسرائيل ـــــ التي تخوض معها الحركة مفاوضات علنيّة ورسميّة، والتي تتسم العلاقة بينها وبين فتح بودّ يفوق الودّ المفقود بين حركتيْ فتح وحماس ـــــ باغتيال عرفات. ولا من يسأل الحركة عن صمتها لسنوات عن هذا الاغتيال وعن الدلائل أو القرائن التي دفعتها لاتهام إسرائيل. أسئلة من دون أجوبة.

أما عمليّة التصويت وما أحاط بها من إخراج فكانت تصلح أن تُعرَض على واحدة من خشبات مسارح شارع الهرم. أولاً، ارتأى الرئيس المنتهي الصلاحيّة، أبو مازن، أن يحلّ لجنة الانتخابات الفتحاويّة وأن يعيّن لجنة دحلانيّة بديلة. ثانياً، صرّح أبو العلاء (ذو السجل غير الناصع من أيامه في «صامد» إلى اتهامات بتقديم الأسمنت لبناء المستوطنات ـــــ الثكنات) أن أبا مازن ارتأى أن يزيد عدد صناديق الاقتراع بعدما كان الاتفاق أن تكون واحدة. ثالثاً، استغرقت عمليّة عدّ الأصوات لأعضاء اللجنة المركزيّة وأعضاء المجلس الثوري أكثر من عدّ الأصوات في الانتخابات
الرئاسيّة والاشتراعيّة الأميركيّة. رابعاً، تجري عادة عمليّة عدّ الأصوات بصورة شفافة وتخضع لمراقبة متنافسين وجهات محايدة، أما في انتخابات فتح فقد اختفت الصناديق مجرّد أن انتهى المقترعون من الإدلاء بأصواتهم. ولا نعلم من أخذ الصناديق وفي أي غرفة وُضعت وما حدث لها. لكن تسرّب أن محمود عباس (وهو فريق، لأن له أتباعاً ومرشحين، وهو جزء من الفريق الدحلاني الذي أحكم سيطرته على الحركة) زار مركز عدّ الأصوات وحيّا المكلّفين (نشكّ في أن بينهم نساءً، لأن الحركة منذ نشأتها فاقعة في حكم «الأبوات» الذكوري) بعدّ الأصوات. خامساً، أسهمت إسرائيل في ترجيح كفة الدحلانيّين عبر منع معارضي التسوية والفساد (مثل منير المقدح) من الدخول إلى الأراضي المحتلّة. سادساً، حصل أمر مضحك عندما سقط مرشح لعضوية اللجنة المركزية ونشرت الصحف أسماء الفائزين والساقطين، لكنه عاد (أبو الطيّب) وفاز بقدرة قادر بعد عدّ للأصوات جاء فيه خاسراً. هنا يكتسي العدّ الفتحاوي بعداً يستحق الإدراج في التراث الإرويلي. وأبو الطيّب جزء لا يتجزّأ من الفريق الدحلاني، وقد وجد أبو مازن صعوبة على ما يبدو في إقناع أبو الطيّب بقبول الخسارة.
وظاهرة أبو الطيّب هذا تستحق الدراسة. فهو، لمن لا يذكر، أبو الطيّب نفسه الذي ترأس فرقة الـ17 أثناء المجد الفتحاوي في مسرح لبنان، وكانت الفرقة معروفة بكلّ ما لا علاقة له بمقاومة إسرائيل أو بالكفاح المسلّح. كانت الفرقة بمثابة الحرس الرئاسي لعرفات، وإن أدّت «مهمات خاصة» لم تكن مرتبطة بأمن عرفات الشخصي. وأبو الطيّب هذا ـــــ مثله مثل عرفات ـــــ يظن أن الصوت الجهوري يمكن أن يعوّض عن غياب المواهب والكفاءة. وفيما أثبت أبو الطيّب ولاءه الأعمى لعرفات ـــــ وهل يطلب عرفات إلا ولاءً أعمى؟ ـــــ لم ينمّ عمله عن أي تميّز أو خبرة في الثورة التي لم تتوقّف حركة فتح عن لمّ الأموال باسمها. وعرفات أصرّ عند بناء سلطة أوسلو كذراع تنفيذية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، على استيراد أسوأ نماذج حركة فتح من الوحول اللبنانيّة. ولذلك: فإن الحاج إسماعيل أصبح نافذاً في سلطة أوسلو، كما أصبح أبو الطيّب هذا متنفّذاً في الجهاز الرئاسي ـــــ وليس في هذا الجهاز من الرئاسة إلا الاسم، لكنّ هوس عرفات بالبروتوكول الرئاسي حتى لو كان فارغاً أمر معروف كما يرد في الكتب الصادرة عنه. وأبو الطيّب يتولّى رئاسة «لجان التحقيق» الفتحاويّة التي لا «تطلع بنتيجة»: مثل التحقيق في سقوط غزة في أيدي حماس، والتحقيق في فضيحة تهريب روحي فتوح (دحلاني نافذ وإن لم يفز بعضويّة اللجنة المركزيّة) لآلاف من أجهزة الخلوي في صندوق سيّارته.

وانتهت المهزلة واستطال وقت عدّ الأصوات لعضويّة المجلس الثوري. المجلس الثوري؟ ماذا بقي من وعد الثورة في حركة فتح؟ محمد دحلان وجبريل الرجّوب يمثّلان الثورة؟ لكن نحو 61 من أعضاء المجلس الثوري محسوبون اليوم على فريق دحلان. وحركة فتح ومنظمة التحرير لا تجتمعان منذ أوسلو إلا بأمر أميركي من أجل ترويض الحركة لجعلها أكثر طواعيّة في يد المُحتلّ الإسرائيلي. وحركة فتح، التي كانت تتعرّض للملاحقة والتنكيل من إسرائيل ومن أميركا، باتت اليوم تتلقّى التسليح والتمويل من أنظمة عربيّة برضى إسرائيلي ـــــ أميركي، أو بأوامر أميركيّة. والمال في يد محمود عباس هو سلاحه الوحيد يستخدمه من أجل إعادة تركيب الحركة وفق أهواء «ديتون». والمطلوب اليوم هو الاستسلام الكامل، كما صرّح بذلك حازم صاغيّة في جريدة الأمير خالد بن سلطان. لكن مَن مِن شعب فلسطين يسير وفق أهواء خالد بن سلطان أو كتّابه؟ غير أن الأمانة العامة لـ14 آذار هنّأت حركة فتح على «إنجازها الديموقراطي». بقي أن يرسل أنطوان لحد تهنئته هو الآخر.

* أستاذ العلوم السياسية
في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)

الأربعاء، 19 أغسطس 2009

كتب/حامد بن عبدالله العلي ... الامين العام السابق للحركة السلفية الكويتية

أوغل في الخطأ من لايريد أن يتعامل مع ما وقع في غزَّة أنه فتنة يجب السعي لإصلاح ذات البين فيها ، والكفّ عن إهراق الدماء من الطرفين ، كما الكفّ عن نقـل الإتهامات المتبادلة ، وعن التحريش بين المؤمنين .

وأبعـد منه من يدعو إلى إستمرار إثارة الهرج ضد حكومة غزة ، منكراً الدعوة إلى إعذارها في اجتهادها السياسي ، والإداري ، وإلى التعاون معها ضدّ من يتربّص بغـزّة من عدوّ الله ، والإسلام .

فهل يريد هؤلاء أن تقتـحم بعد هذا الهـرج ، مدرّعات سلطة عباس التي أهداها لها دايتون ، تقتـحم على حطامِ هرجٍ أعمـى ، وليقول دعاتـه بعد أن يُسقط في أيديهم : كانت والله سياط حماس تلك ، أهون من جحيم عباس هــذا !

ورحم الله قتادة إذ قال : ( لو أنَّ الناس كانوا يعرفون منها ـ يعني الفتنة ـ إذ أقبلت ما عرفوا منها إذ أدبرت لعقل فيها جيلٌ من الناس كثير) .

لسنا هنا ننكر على من ينتقد حماس ، وقد أنكرنا عليها من قبل ـ وسنبقى ـ حتى أغلظنا ، فوجدناها رحبة الصدر ، مُلقية السمع ، إذْ كنـّا ننقد بلسان ، نعطي منه أكثر مما ننقد ، وكان في إطـار التناصح بين الحركات الإسلامية ، التي تبقى دائما بينها رابطة الأخوة الإسلامية إطـاراً يجمعهـا ، ولا يفرّقهـا .

ولكن المستنكر والله كلّ المنكر ، هذا التداعي إلى إعلان غـزّة الجريحة ، المحاصرة ، التي يعاني أهلها الجوع ، والفقر ، وكلَّ أنواع البلاء ، التداعي إلى إعلانها ساحة حرب جديـدة ، يتفـرَّج فيها الصهاينة على الضحايا يسقطون باليد الفلسطينية ، ليقولوا للناس : انظروا هؤلاء الذين أشفقتم عليهم من صواريخنـا ، إنهم لايستحقون غيرها .

وأما سلطة دايتون القابعة في غزة ، فسيتخذون ألسنة دعاة هذه الفتنة ، سيوفا يذبحون بها في غزة ، من عجـزوُا عن ذبحـه في سجون الضفة ، وسيجعلونها جسراً يعبرون عليه إلى حيث كانوا يتآمرون على فلسطين وأهلها .

ولا يستبعد أنّ ثمّـة مكـرٍ خفيِّ وراء ما جرى في رفـح ، ولم يكن هؤلاء الشباب فيه إلاّ وقـوداً له ، وهـم لايدرون من يقدح زنـاده وراءهــم ، كما يحدث في مواطـن أخـرى !

وأيها القوم إنَّ غـزَّة تختلف عن كلِّ ما سواها من مواطن الجهاد ، وإنَّ معادلة فلسطين أعقـد من أنْ يقودهـا ، أويُترك الرأي فيها ، لكلّ أحـد .

إنـّه مكر بني صهيون بكلِّ ما فيـه ، يمـدُّه الغرب بأسـره بكل ما يعطيـه ، وينفذه أزلام السلطة الخائنة ، وقد تراكمت عنـد حركة المقاومة الإسلامية خبرة عظيمة في التعامل مع هذه المعادلـة ، وأثبتوا أنَّ قدرتهم على الصمود أقوى من الدول ، وعلى المواجهة المسلحة أشدُّ من الجيوش النظامية ، فهم أدرى بمكة وشعابها ، وأعرف بأرضها ، وضرابها.

والصهاينة بالإتفاق مع سلطة عباس دايتون ، يعدُّون لحرب قادمة لإجتياح غـزة ، بعدما فشلت الحرب الماضية ، فشلا ذريعا ، في أعادة دحلان وأزلامه الذين كانوا ينتظرون في رفح المصرية ليتسلَّموا غزة كلَّها من ( مسجد ابن تيمية ) إلى آخر مصلى فيها ، بعد قصف صهيوني جحيمي لايبقى ولايذر ، حتـَّى رماهم الله بالخزي ، فارتدُّوا على أعقابهـم خاسئين ، وأنزل الله نصـره .

وما استمرار الحصار إلاّ لأجل هذه الحرب القادمـة ، والصهاينة غير خافٍ عليهم أنَّ حماس إنما تريد أن تكسب الوقت بالتهدئة ، لتعيد تنظيم الصفوف في هـدوء ، بعيدا عن بهارج الإعـلام ، ولإدخال السلاح ، استعداداً لتلك الحرب ، حتى دخلت صواريخ تصل إلى تل أبيب ، وأنَّ هدف حماس من فك الحصار ، إثبـات قدرة المقاومة على حلِّ القضية الفلسطينية ، وفشل مسارات الوهم التي تُسمـَّى : السلام، فالمعادلة إنما تدور على هذه الفكـرة ، التي قادها الشيخ أحمد ياسين ، وهي :

(المقاومة هي الحـلّ الوحيـد إلى الحقوق ، غير أنها تواجه عدوَّا واسع التأييـد ، عظيم القدرات ، فهـي بحاجـة إلى مشروع متكامل ، شعبي ، إعلامي ، إداري ، سياسي ، عسكري ، معنوي ، مادّي ، ولـن تصل إلى هدفها إلاَّ عبـر مراحـل ، كما أنهـا تحتاج إلى صبـر ، وستضطـرّ إلى المناورة السياسية ، ما قد يبدو تنازلا وليس كذلك ، وفي قصة الحديبية قـدوة ، وفي سيـر السابقيـن أسـوة) .

وإنَّ الفوضى ، والإرتجالية ، والعشوائية ، والقفز على المراحل ، كما يحدث في بعض مواطن الجهـاد ، لـن تصنع شيئا في مقاومة الصهاينة في فلسطين ، إلاَّ القضاء على مشروع التحرير الفلسطيني ، ثـمَّ البكـاء عليه .

إنَّ حكومة غـزّة لم تُحاصر ، ولم يُستهدف قادتها ، ولـمْ يُزج بأنصارها في سجـون الضفـَّة ، حتـَّى صاروا بين قتيـلٍ ، وأسـير ، ومن هو تحت التعذيب ، ولم تتآمـر عليهم الأنظمة العربية الخائنة ، ولم يقـدِّم قادتها أنفسهم ، وأبناءهم ، وإخوانهم ، وأموالهم ، رخيصـةً دفاعا عن الأقصى ، لم يحـدث هذا كلُّه لهـم ، لأنهَّم خونـة ، يقاتلون في سبيل الدنيـا !!

لـم يحـدث هذا لهـم إلاّ لأنهّـم حركة إسلاميـّة ، تربـَّت في محاضن القرآن ، وتعلَّمت كتب الفكر الإسلامي ، ونشأت في بيوت الله ، فصامت ، وزكـَّت ، وصلَّت ، وحجَّبت نساءها ، وحفَّظت أولادها القرآن ، وجاهدت حتى قدمت آلاف الشهداء ، و الأسرى ، والجرحى .

هذه هي صورتها في أعين الأعداء ، وهذه هي حقيقتها ، ومنكر هذا كلَّه أعماه التعصّب ، وأغلق عليه الحسد رؤية الفضـل .

فلأيِّ شيء لعمري هذا التداعي إلى حربها سوى الدعوة إلى فتنة لن يجنـي منها إلاَّ الصهاينة ، وسلطـة الخبثاء الجواسيس في رام الله ، مالـم يجنوه بدباباتهم ، وجيوشهم ، وطائراتهم ، ومكرهم الليل ، والنهار ؟! .... ثمَّ إنها رأت أنَّ من أهم أولوياتها رفع الحصار عن شعب يعانـي أشـدَّ المعاناة منه ، حتّى صار 40% من مواليد غزة مصابـين من فقـر الدم ، رفعـه مع الحفاظ على ثابت إستمرار المقاومة ـ وليت شعري ـ إنَّ هذا تحقيق هذا التوازن أشـقَّ من حمل الجبال الرواسي ، إذ كان هدف الحصار إنـّما هـو فـضّ الناس عن خيـار المقاومة أصلا ، حتَّى يركعوا للمشروع الصهيوني الذي لن ينتهي دون إهدار كلِّ الحقوق الفلسطينية وعلى ظهر سلطة دايتون في الضفة .

فكيف إذا أضيف إلى هذه المهمـّة الشاقّـة ـ وفي نفس الوقت ـ سعي حماس لصناعة مشروع التغيير الإسلامي الشامـل في غـزّة ، بحيث يبقى شعبها الجائع ، المحاصر ، محافظاً على المقاومة ، ومتقبـِّلا لمشروع الحكـم الإسلامي ؟!!

أفلاَ يسعهم ما وسع الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، كما نقل عن الذهبي في تاريخه ، عن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول : ( لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألاَّ تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ، فإن أنكرت قلوبهم هـذا ، سكنت إلى هذا ) تاريخ الذهبي 4/170

وفي البداية والنهاية ( وإني لأريد الأمر ، فما أنفذه إلاَّ مع طمع من الدنيا ، حتى تسكن قلوبهم ) 9/200

وإنّ هؤلاء المتعجّلين يريدون أن تقيم حماس في يوم ما يعجز عنه عمر بن عبدالعزيز في خمسين عاما !

،

ألا فدعوهم ـ ويحكم ـ وما تأوَّلوه فيما تحملـُّوه ، من النقلة بالناس شيئا فشيئا إلى سماحـة الإسلام ، وكفـُّوا عن القوم ماداموا في وجاهة أشـدّ الناس عداوةً للذين آمنـوا ، فوالله إنَّ الذين يرمون سهامهم على حماس ، لايقدرون على إنجاز عشر معشار ما أنجزوه حتى الآن ، في ظلِّ ظروفهـم .

فما أسهل أن تتكئ على أريكتك منتقداً قوما محاصريـن ، تكالب عليهم الأعداء من كلِّ حدب وصوب ، فأسراهم بالآلاف ، وقتلاهم مثلهم ، وكلَّ يوم يُزفّ عليهم نبأ شيخ قتيل تحت تعذيب أزلام دايتون ، أو أسير في يد الصهاينة ، أو غارة صهيونية عليهم ، ما أسهل أن تفعل هذا وتنسى ما هم فيه من البلاء العظيم !

أما جند أنصار الله ، فندعو حماس إلى القيام بواجب الراعـي المشفق على رعيّته ، لا العـدوّ الممعن العداوة ! ففي الحديث : ( شـرُّ الرّعاء الحطمة ) ، والله تعالى سيسأل عن دماءهم ، كما لا يصح البتـّة تشويه سمعتهـم ، فحتـَّى أهل الجاهلية كانوا يكفـُّون عن مثـل هذا ، فكيف ونحن ندعو إلى الخلـق الإسلامي !

وإذا ملكت فأسجـح ، والبغي من ذي السلطة أقبح ، فإن أراد به أن يحسَّن صورته ،فسينقلب عليه شينـاً في أعين الناس ، وتلك ـ والله ـ سنة الله ، لايعاجزها أحدٌ إلاّ هـوى .

كما يجـب عليها أن تأخذ المخالفين لها من السلفيين ، وجماعة الجهـاد ، وغيـرها بالرفق ، واللين ، والأخوة الإيمانية ، وتعامل الجماعات الأخرى بالحُسـنى، وأن تدع للناس مراحـا يستريحون فيه في دعوتهـم على إختلاف مشاربهم ، فإنـَّه ما ضيَّق أحـدٌ واسعـا إلاّ ضيّق الله عليه ، وما شقّ راعٍ على رعية إلاَّ شقَّ الله عليه .

وأن تراعي تعطش الشباب للجهـاد ، لاسيمـا في ظـلِّ ما يقع على الأمـّة من مصائب ، وأن تسلك معهم سبيل الحوار ، لإقناعهم بالإبتعاد عن الشذوذ ، والغلوّ ، الذي انتشر في بعض ساحات الجهاد الأخرى ، فإنَّ سبيل العنف في حـلّ هذه المعضلة سيزيدها أوار نارِهـا .

ولهذا أقـترح أن يتمَّ تشكل لجنة من العلماء من داخل فلسطين وخارجها ، في مساع حميـدة لطيّ صفحة ما جرى من الفتنة ، وإخراج كلِّ الشباب من السجون ، ومعالجة الجراح ، وأن يُودى القتلى ، ويُدعى لهم ، ليفضي الناس بعد نزغ الشيطان ، إلى رحابة الأخـوّة ، وبعد صورة الدماء ، إلى سلامة الصدور ، لتتحد البنادق كلُّها نحو العدوّ ، وليخسأ دعاة الفتـنة ، ويرتد كيدُهم في نحورهـم ، ويأوي الناس إلى جماعة ورحمة ، قبل أن تأخذهـم سيوف فتنة ، لا يفيقون بعدها إلاّ في أحضان بني صهـيون.

والله حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيــر.

ذو الخويصرة... وضرورة الحسم الكامل .....بقلم: خليل حمادة

كان الله في عون حماس، فمن تآمر دولي عالمي يشهده القاصي والداني، لا تغيب أسبابه إلا عن من غاب عقله وكان جديرا به أن يداوم على زيارة المصحات العقلية، إلى حصار فرضه الصهاينة المجرمون، بتآمر محلي إقليمي، إلى المناكفين الذين انحرفت بوصلتهم الوطنية، واختزلت تجارب سني حياتهم النضالية براتب ورتبة، ومسكن فاره، وامرأة حسناء، إلى أحزاب إسلامية ضحلة الفكر، بسيطة التفكير، ربطت إقامة الخلافة الإسلامية بانقضاء مدة زمنية ثابتة، وحين انقضت المدة ولم يحدث ما كان مخططا له من إقامة الخلافة، تم تجديد هذه المدة مرات ومرات، ثم تشن حملات عنوانها أن حماس تتبع سنن من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع!!!

وفي نهاية سلسلة الأعداء والمتآمرين الحاقدين، والأغبياء الجاهلين، يخرج علينا أناس أقل ما يوصفون به أنهم منحرفو الفكر، ضحلو الرؤية، شواذ التوجه، مجهولو الوجهة!!! في وقت يعرف العالم كله وجهة حماس، فتعزل وتحاصر، وتشن الحروب لكسر إرادتها وزحزتها عن غاياتها المعروفة؛ فاغتر هؤلاء المنحرفين فكريا ببعض الشباب المندفع المتهور، واستغلوا الحرية التي أعطتها حكومة غزة للجميع، من مخالفين وحاقدين وغيرهم، والأمن الذي أوجدته هذه الحكومة لكل أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف رؤاهم ومشاربهم. فحكومة غزة لا تريد حجرا على فكر أحد من أبناء شعبها، مع علمها بانحراف فكرهم، وسواد ظلامهم، وبُعد ضلالهم، وعلمها بأنهم يكفرون المجتمع المسلم، بل ويكفرون من كان سببا في صبغ هذا المجتمع بالصبغة الإسلامية عبر تأسيس الحركة الإسلامية التي يرى جميع العالم أثرها في قطاع غزة عبر شلالات دماء المجاهدين وتخريج عشرات آلاف الحافظين...

لم يكن ما حدث مستبعدا على هؤلاء الضالين، فالتاريخ والسير تحدثنا عن رجال كانوا يدعون الحرص على الدين وتطبيق حدوده بشكل صحيح، أنهم زايدوا على من كان على رأس هذا الدين: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقصة ذي الخويصرة أحد أكبر زعماء الخوارج معروفة في السيرة النبوية، ذلك الرجل الذي اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجور والظلم، بل واتهمه بأكثر من ذلك، اتهمه بأن عمله ليس مخلصا، ولا يراد به وجه الله. إنها لصفاقة ما بعدها صفاقة، ووقاحة وقلة حياء ما بعدها وقاحة.

حدث ذلك في غزوة حنين حين قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم و فضّل بعض الزعماء لمصالح إسلامية دعوية، لا يرتقي فكر هذا الجاهل البسيط إلى إدراكها. فقال ذو الخويصرة: و الله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله أو ما عُدل فيها, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "من يعدل إذا لم أعدل, خبت وخسرت إن لم أعدل" واستأذنه عمر في قتله, فقال: "لا، إنه يصلّي" ثم قال عليه الصلاة والسلام: "يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم و قراءتكم إلى قراءتهم و صيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرمية".( تعليقي الشخصي طيب مهمو السلفية بيصلوا ليش تقتلوهم ؟!!!!!!)

وحدث ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج معه قوم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحداث الأسنان سفهاء الأحلام", خرجوا عن إمارة علي رضي الله عنه وقاتلوه هو والصحابة, تحت شعار "إن الحكم إلا لله", أو "إقامة الإمارة الإسلامية وتطبيق الحدود"، فأرسل علي لهم عبد الله بن عباس يناظرهم فناظرهم, فرجع منهم الكثير واستمر الباقون على غلوّهم، فاضطرّ عليّ إلى قتالهم واستأصل شأفتهم بعد أن أريقت الدماء وأزهقت الأنفس بفعل هذا الغباء المستفحل والجهل المركب.

هؤلاء الضالون المضلون، لم يحركوا ساكنا عندما كانت الحكومات السابقة تعيث في الأرض فسادا، ولم يذكر أبدا أنهم أعلنوا عن تكفيرها، بل كانوا بوقا ناعقا مدافعا عن تلك الحكومات وأربابها؛ وكانت ألسنتهم سيفا مسلطا على كل من انتقد الأجهزة الأمنية وتعاونها مع الاحتلال. ولم يطرحوا أبدا قصة الإمارة الإسلامية، ولا تحكيم الشريعة وإقامة الحدود، وقالوا بأن ذلك منوط بالخليفة أبي مازن، وحتى لم يطلقوا طلقة واحدة على الصهاينة، لأن ذلك يعتبر خروجا عن الإمام أبي مازن!!!!

ويذكر أنه أثناء الحسم العسكري الذي قامت به حماس بعد أن ولغت عصابات الإجرام في دماء أئمة المساجد والعلماء قتلا وذبحا، وفي المواجهة التي حدثت في مقر جهاز الوقائي في تل الإسلام، ظل أحد مشايخهم -من رفح أيضا- ممتشقا رشاشه الثقيل في أحد الثكنات المحصنة في المبنى، رفض الاستسلام واستمر في إطلاق الرصاص على المجاهدين حتى قتل بعد أن دافع بشراسة غريبة عن أمير المؤمنين أبي مازن وأهل الحل والعقد عنده الطيب عبد الرحيم ومحمد دحلان وغيرهم.

أما عن ردة فعلهم بعد الحسم فهي معروفة للجميع، فساروا مع أعوان المحتل واستنكفوا عن أعمالهم ووظائفهم، لأن الخليفة يريد ذلك!! وأصبحت حماس خارجة عن حكم أمير المؤمنين، ووجب حينها الجهاد في سبيل الله وحمل السلاح وإعلان إمارة إسلامية وغيره.

الأدهى من ذلك ما حدث عند العدوان الصهيوني على غزة، كان لكبراء شياطينهم مواقف شرعية أخرى!!! فأعلنوا أن هذه الحرب لا دخل لهم بها، وأنهم لن يشتركوا في نصرة كافر على كافر، ولم يدخلوها، وها هي الإحصائيات بالأرقام... عدد الشهداء منهم أثناء الحرب = يساوي صفرا!!!!

تشخيص حالتهم ببساطة أن لدى معظمهم إشكاليات نفسية لا يستطيعون معها أن يتعاطوا مع الواقع الاجتماعي، أضف إلي ذلك غباء فطريا مستفحلا يستحيل معه الوصول للمنطق السليم، مع إضافة فهم مغلوط ومشوه لنصوص الشريعة، كل ذلك أنتج نماذج بشرية مشوهة الفكر والعقل والمنطق، لا ترى حرجا في أن تزاود حتى على سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا.

موقف الحكومة يجب أن يكون شديدا وقاسيا، لأن التاريخ يذكر أن المخلصين من أمثال هؤلاء أصحاب الأفكار المشوهة والمنطق الأعور، قد جلبوا الويلات على المجتمعات المسلمة وأحدثوا إرباكا عظيما، أرهق عافية المسلمين وحرف أهدافهم، فبدل أن يتقدم المجتمع المسلم في جميع مستوياته الفكرية والعلمية والإنتاجية والدعوية عبر الفتوح، انهمك المسلمون في مواجهة قاسية مع هؤلاء البغاة، استنزفت دماء المسلمين وطاقاتهم عبر عصور يدمى قلب قارئ سطور تاريخها.

إذا كان التاريخ قد حدثنا عن هؤلاء المخلصين أصحاب الفكر المنحرف والفهم المغلوط من الخوارج، وعن النكسات التي تسببوا بها للمسلمين، فما بالنا بأصحاب النيات السوداء الذين ارتبطوا بمن يبذل الغالي والنفيس لإفشال أي مشروع إسلامي سياسي ناجح.

على الحكومة في غزة أن تضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء، وتحاول أن تعالج فكر من كان فيه بصيص أمل في الشفاء من هذا المرض. وأن لا تسمح لهؤلاء أن يتحركوا بحرية أو أن يحملوا سلاحا، لأنه المثل الصيني يقول: "إذا أعطيت المجنون سكينا، أصبحت قاتلا".

إن ترك هؤلاء المنحرفين خطير جدا، وعلى المتعاطفين معهم أن يقرءوا التاريخ ليروا مدى الأذى البالغ الذي سببه فكر هؤلاء للأمة الإسلامية. لذلك على الحكومة أن لا تسمح لشراذمهم بالبقاء، لأن معنى بقاء شراذم من هؤلاء، أن نسمع بين الفينة والأخرى بانفجار هناك في سوق أو على شاطئ البحر أو في ملعب...إلخ

حماس عليها أن تاخذ زمام المبادرة وتعلنها صريحة أنها لن تسمح لأحد يزاود عليها باسم الدين والجهاد، وأن يعمل بين ظهرانينا في قطاع غزة ليتناغم مشروعه مع ما تريد إسرائيل أن يقدم القطاع على طبق من ذهب لأمريكا وقوات الناتو.

وعلى رؤوس هذا الفكر المنحرف أينما وجدوا أن يعلنوا تصريحا لا تلميحا أن غزة لا تحتاج أفكارا جهادية جديدة، من باب "بيع الماء في حارة السقايين"، وأن غزة خيرها فيها، وهي عزيزة بمجاهديها الأبطال، ولا يلزمها نماذج مشوهة، فنماذج الأبطال والبطولة في غزة تكفي لكل أرجاء الأرض.

وفي الختام، ستبقى حماس صاحبة الوجه المشرق، والفكر الوسطي المعتدل، عصية على كل المعتدين والمتآمرين والمزاودين والجهلاء والمنحرفين. وستظل تكتب بدماء مجاهديها لكل العالم أنها ما غيرت ولا بدلت. وسيبقى اتزانها العجيب في معالجة كل القضايا مدرسة للأجيال تتدارسه عبر التاريخ وتستقي منه العبر.

رحم الله الشهداء ضحية غدر ذوي الخويصرات، وحفظ الله أبناء شعبنا وحقن دماءهم، وأذل عدوهم، إنه سميع قدير وبالإجابة جدير.

غسان بن جدو: الموساد حاول أن يختطفني

جرت صحيفة 'القدس العربي' حوارا مع الإعلامي غسان بن جدو مدير مكتب قناة 'الجزيرة' في العاصمة اللبنانية بيروت، وخلال اللقاء تطرق بن جدو إلى أسرار لم يكشفها من قبل تتعلق باستهداف إسرائيل لمقر مكتب قناة الجزيرة في بيروت أثناء حرب تموز 2006 وعن الإحتياطات الشخصية اللازمة التي يلجأ اليها. هنا الحوار:

أبدأ معك بسؤال عن تجربتك الشخصية، أنت الإعلامي الذي قابلت مقاتلين تابعين للمقاومة الإسلامية، كما أيضا مع سمير القنطار في حلقة خاصة معه في برنامج حوار مفتوح، ما هو جنس التشابه بين المقاومين اللبنانيين والمقاومين الفلسطينيين الذين تحاورت معهم في جنوب لبنان وقطاع غزة؟
أنا أعتقد أن معرفتي بمقاتلي حزب الله في جنوب لبنان هي أكبر من معرفتي بمقاتلي كتائب القسام في قطاع غزة أو بمقاتلي فصائل المقاومة هناك عموما، والسبب بسيط جدا هو أنني على تماس مع مقاومي حزب الله هنا في لبنان منذ سنوات طويلة، فأنا ألتقيهم وأتحدث إليهم، وجربناهم أكثر من مرة وأكثر من معركة. بينما الأخوة المقاومون في حركة حماس وكتائب القسام قد عرفتهم لماما ولم أعرفهم كثيرا، ولكن مع ذلك قد لا يكون حكمي علميا أو دقيقا، وهو حكم أولي إن صح التعبير.
إذا أردنا أن نتحدث عن نوعية المقاتل فإن نوعية المقاتل اللبناني في الجنوب والفلسطيني في غزة هي متشابهة جدا إن لم تكن متطابقة، أما من ناحية الروح النفسية والشجاعة في الاندفاع نحو القتال والاستعداد للتضحية وحب الشهادة هذه أمور ذهنية موجودة عند مقاتلي حزب الله والقسام بتشابه كبير. أما النقطة الثانية تتعلق بشخصية المقاتل غير الذهنية، فلدى الطرفين تدريب على المستوى بشكل كبير، و أنا لم أعرف مقاتلين من الجانبين كانوا في المعارك يحاربون هكذا في الحظ، فهم أناس يعرفون تماما ماذا يفعلون وكيف يقاتلون. على سبيل المثال في رحلتي إلى غزة أنا من الأشياء التي وجدتها هناك ولم أجدها هنا في لبنان هي قضية القناصين، والأخوة في كتائب القسام اشتهروا بعمليات القنص أثناء حرب غزة، وقد ذكرتنا حركة حماس هنا بالتحديد بمهارات القنص القتالية التي برزت خلال الحرب العالمية الثانية، وإعلاميا برزت بشكل لافت قضية القنص لتشتهر حرب غزة بها، وأنا التقيت بالقناصين، فوجدت انهم يتمتعون بقدرات عالية جدا، قدرة كبيرة على التركيز، وعندهم خبرة ماذا يفعلون، يعني ليس أنهم يجلسون هكذا وليقنصوا بالحظ، فعدد الجنود الإسرائيليين الذين تم قنصهم كان لافتا.
أما في لبنان، فأنا أعتقد أن الامكانات العسكرية لدى حزب الله هي أعلى وأقوى، وأظن أن تدريبهم أعلى، وطبعا هناك فرق بالتضاريس، فتضاريس الحرب في غزة تختلف عن تضاريس الحرب في لبنان، يعني الأرض في قطاع غزة هي أرض منبسطة والقتال أصعب بصراحة من لبنان، لأنه في لبنان هناك جبال وأودية ومنحدرات ومرتفعات فلا يستطيع المقاتل أن يناور، ولكن ما تميز به مقاتلو حزب الله في لبنان أنهم حتى اللحظة الأخيرة استطاعوا ان يطلقوا الصواريخ، لأن درجة النار التي أطلقت على لبنان شيء غير طبيعي، كما تعلم أن الأرض في جنوب لبنان قصفت بأكثر من مئة وسبعين ألف قذيفة وصاروخ والمقاومون كانوا موجودين ولم يغادروا أماكنهم في حرب تموز، ومع ذلك عدد شهداء المقاومة لم يكن مرتفعا، صحيح أن إجمالي عدد شهداء الحرب كان ما يقارب الألف ومئتين ولكن عدد المقاومين الذين استشهدوا جراء القصف والقتال لم يصل إلى المئة، وعدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة كان ما يقارب الأربعة آلاف صاروخ، فانظر كيف عجزت إسرائيل عن مراوغة مقاتلي حزب الله هنا في لبنان حتى آخر لحظة.


هل تعتقد أن صواريخ كورنيت التي حرقت دبابات اسرائيل في وادي الحجير بجنوب لبنان هي ذاتها متوفرة في قطاع غزة؟
نعم، حماس لديها هذه الصواريخ الحارقة لدبابات الميركافا كما هي صواريخ غراد التي أمطرت إسرائيل بها..
ولكن هل استعمل صاروخ الكورنيت في حرب غزة كما في حرب تموز؟
كلا، إستخدمت حماس صاروخ بي 29 فقط وهي أيضا قوية ضد الدبابات.
هل تعتقد أن حماس امتنعت عن استعمال صواريخ الكورنيت الخارقة للدبابات كي تجعلها مفاجأة للحرب المقبلة؟
أنا أقول بأن إسرائيل انتبهت أن حماس تخبئ المفاجآت، وحتى على مستوى الصواريخ التي ضربت حماس بها إسرائيل، انتبهت الأخيرة أن لدى المقاومة الفلسطينية صورايخ مداها أبعد من تلك التي ضربت عسقلان وبئر السبع، يعني إسرائيل خشيت تماما أنه إذا استمرت الحرب على غزة فإن مدنا كديمونا وتل أبيب قد تقصف، وبالتالي إسرائيل وجدت نفسها امام مأزق أن دخول غزة سيكون ثمنه خسائر باهظة جدا أمنيا في الداخل وماديا داخل المعركة. وأقول لك ولجمهور 'القدس العربي' انني وجدت آثار عماد مغنية بقوة في قطاع غزة.
هل بإمكانك أن تقول ان عماد مغنية كان يدرب كتائب القسام يوما ما في قطاع غزة؟
لا، لا أقدر أن أؤكد ذلك، ولكن ما أقصده أن نوع التدريب وقضية الأنفاق والخنادق في غزة كلها هي آثار عماد مغنية، وما أؤكده لك ولأسرة 'القدس العربي' أن أعدادا كبيرة من عناصر كتائب القسام والتي قاتلت باستئساد أمام الجيش الإسرائيلي في حرب غزة، كانت قد انتقلت إلى لبنان وتلقت تدريبات من نوع عال في جنوب لبنان على أيدي قياديين من حزب الله، وبعدها بالتأكيد عادت هذه العناصر إلى قطاع غزة وحاربت بشراسة أثناء الحرب الأخيرة.
ماذا عن الجبهة اللبنانية الداخلية، كيف ترى الصف المسيحي بقيادة الجنرال عون وراء السيد حسن نصر الله في حال اندلاع حرب ثالثة على لبنان؟
في المرة المقبلة سيكون كما في العام 2006، موقف الجنرال عون سيكون شريفا شامخا مع المقاومة، ولكن هذه المرة دوره سيكون أكثر فعالية، ليس بالضرورة أكثر فعالية على مستوى القتال، ولكن أكثر فعالية على مستوى السياسة، يعني الحرب المقبلة ستكون حرباً عسكرية شرسة، وحرباً سياسية شرسة أيضا، وهناك أطراف سياسية داخلية ستكون ضد حزب الله ولن تسكت إذا ما اندلعت الحرب. في عام 2006 وجدت حرجا لكن في الحرب المقبلة سيكون موقفها علنا والجنرال عون سيلعب دورا أساسيا من خلال وقوفه ضد الأطراف المضادة لحزب الله، وهذا على المستوى السياسي.
أريد أن أسألك سؤالا شخصيا وقد طرأ هذا السوال في الحقيقة على ذهني كثيرا. أنت من الصحافيين المكروهين لدى إسرائيل خصوصا أنك على تماس مع السيد حسن نصر الله وأيضا لأنك ذهبت إلى غزة بطريقتك. ألا تخشى في أي حرب مقبلة ضد لبنان أن يستهدف الطيران الإسرائيلي بالقصف مقر قناة الجزيرة في بيروت بهدف القضاء عليك؟ ماهي إحتياطاتك؟
بصراحة أقولها لك ولأسرة 'القدس العر بي'، انه لا أمتلك احتياطات شخصية، وأنا بصراحة أقول ان الموساد الإسرائيلي أراد أن يختطفني في حرب تموز في الليلة التي قابلت بها السيد حسن نصر الله، ولكن العملية لم تتم، وبعد أيام، وهذه القصة أقولها لأول مرة، أننا اكتشفنا والحمد لله خطة إسرائيلية لقصف قناة الجزيرة في بيروت، ولكن لم تنجح بحمد الله، لأن العملاء الذين كانوا يريدون هذا الأمر وضعوا إشارات فسفورية على مقر قناة الجزيرة هنا في بيروت، وهذه الإشارات ذاتها كان يضعها العملاء على مبان معينة في الضاحية وغيرها لتعطي إشارات ليزرية ليتم قصفها من قبل الطيران الإسرائيلي أثناء الحرب، فنحن اكتشفنا هذه الاشارات بسرعة، وزميلنا العزيز في قناة الجزيرة الأخ عصام مواسري هو من الذين طاردوا العميل الذي وضع الاشارات ولكن العميل هرب لأنه كان هناك عميل آخر ينتظره على دراجة نارية وكلاهما لاذا بالفرار، ونحن وضعنا سائل ماء فورا على هذه الإشارات الفسفورية حتى تختفي.
فيما يتعلق بدخولي إلى قطاع غزة انزعج الإسرائيليون من دخولي، لأنك كما تعرف كان هناك فيتو على دخولي إلى قطاع غزة للأسف، ولكن بعد ذلك أنا دخلت بطريقتي. وأنا فهمت أن إحدى القنوات الإسرائيلية بثت برنامجا تلفزيونيا تحليليا عني شخصيا، ووضعوا صوري ودخولي إلى غزة، وعبر أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أن المدعو غسان بن جدو استهزأ بنا وبمخابراتنا، واستهزأ بمخابرات دولة عربية، وعيون مخابراتنا في قطاع غزة، ودخل وخرج وصال وجال وصور، وذهب مع المقاتلين ولم نكتشف هذا الأمر فنحن نعتبر هذا أختراقاً أمنياً كبيراً.
أنا أقول لك أخي العزيز وبكل صراحة، أنت تسألني لماذا لا توجد الاحتياطات، أنا أعتقد أن أي طرف ما يريد أن يفجر أو يغتال فهو قادر على ذلك، وأنا في البداية كان لدي سيارة ما مع مرافقين للحماية، وبعد ذلك تصرفت بشكل عادي، لكن بقيت سنتين من دون عائلتي من العام 2006 إلى صيف العام 2008 لم أكن أعيش مع عائلتي.
وأنا أفصح وأكشف لك الآن ولـ'القدس العربي'، أنه في الحرب المقبلة كما قلت لزملائي ونحن نهيء أنفسنا للحرب في المكتب، أنني لن أكون موجودا في مقر مكتب قناة الجزيرة في بيروت، لأنني أعتقد أنني سأستهدف، فلماذا أعرض مكتب الجزيرة للخطر؟ أنا سأكون موجودا خارج المكتب وسأعمل في مكان آخر، من دون أن أفصل المكان، ولكني سأكون موجودا فيه لأعمل، إن بقينا على قيد الحياة وبقيت في قناة الجزيرة.

يا «حماس».. مالكم وللسلفية الجهادية .... صالح بن شعيب

لا ادري في أي قرن نحن أو أي سنة أو أي شهر أو أي يوم، هل هي الأيام الخداعات التي تحدث عنها الرسول محمد عليه السلام؟، أي إنسان هذا الذي يقتل أخيه الإنسان بدم بارد؟ وأي ايدولوجيا أو دين هذا الذي يمنح الحق لبشر أياً كان أن يسفك دم الآخر؟، إنها الجاهلية العمياء، ليست جاهلية القرن العشرين وإنما جاهلية القرن الواحد والعشرين يا «حماس».

ليس غريباً أن تدافع الشعوب عن نفسها في مواجهة المحتل والغازي وليس غريباً أن تكون المذابح بينهما وتسيل الدماء شلالات ولكن الغريب ما نراه بعصرنا أن يقتل أبناء الدين الواحد بعضهم بعضاً، وان يباع الدم ويشترى في سوق النخاسة وان تتسابق قيادات الأنظمة والتنظيمات والقبائل ممن يدعون الإسلام لخدمة أعدائهم في مسلسل من الهزائم لا ينتهي ولا نرى له أفقاً.

كنا نحذر «حماس» من دخول أتون السياسة تحت الاحتلال لكن الدنيا الغرورة تأبى إلا أن تجر الطالبين لزينتها إلى مهالك الردى، وها نحن أمام حالة إجرامية نرفضها من أعداء هذه الأمة فكيف ممن يدعون أنهم حماتها، فماذا أبقت لنا «حماس» لندين به الأعداء بعد أن استهدفت مسجداً من مساجد الله واستهدفت رجالاً يعدون أنفسهم لملاقاة أعداء الله وقتلت منهم اكثر من عشرين رجلاً مؤمناً يحتاج العدو حرباً شاملة ليصل إليهم، فهنيئاً لك يا «حماس» بانجازك الرائع وهنيئاً لليهود والأمريكان بقدرتكم على ضبط الأمن ومنع استمرار الاشتباك معهم.

كنا نشتم حركة «فتح» بمنهجها وطريقة تعاملها مع الحالة الإسلامية والجهاد في بيت المقدس وها انتم سبقتم «فتح» في الإيذاء والقتل في مشهد دموي يفوق الأحد الأسود، وانتهاك مسجد خليل الرحمن من قبل المتطرف اليهودي باروخ جولدشتاين مع الفرق أن هناك من الإذاعات من يطبل ويزمر لكم ويغطي إجرامكم.

ما ذنب السلفية الموحدة يا «حماس»، ولماذا كل هذه الأكاذيب والتلفيقات التي أصبحت ممجوجة وأصبح ظاهراً للعيان أنها حالة جنونية من الاستفراد والإقصاء لكل من يخالف رأيكم دون النظر إلى شرع أو دين، فالشرع ما تريدون والدين ما تقرون والكل مدان إلا إذا وافقكم الرأي؛ ومع أن خطيبهم ابو النور المقدسي قال «نحن خدماً لكم ان طبقتم الشرع والحكم بما انزل الله» إلا أنكم آثرتم قتله إرضاءً لمن؟ لا ندري!.

وفي الواقعة نتوقف عند بعض النقاط :

أولاً : رحم الله من استشهدوا قتلاً وغدراً على يد «حماس» وجنودها وتقبلهم الله في عداد الشهداء وجعلهم في طوبى الغرباء الذين أرادوا أن يصلحوا ما أفسدت «حماس».

ثانياً : إن الذين استشهدوا ليس لهم ذنب إلا أن قالوا ربنا الله وأرادوا أن يعلنوا للعالم أن فلسطين وبيت المقدس امارة إسلامية وليست يهودية كما تتسابق «حماس» و«فتح» على الرضى بدويلة داخل حدود مايسمى بـ (67).

ثالثاً : ليست أول مرة تقتل فيها «حماس» وتتهم من قتلتهم بتهم جاهزة معلبة، فلم يسلم من شرها احد منذ انفصالها عن السلطة «غير المفهوم» فهو أمر دبر بليل استجابة للقرارات الخارجية التي تستقي وترضع من نفس مشرب الصهيونية فقد قتلت «حماس» أبناء الشعب الفلسطيني من (فتح، والجهاد الإسلامي الذين سبقوهم في الجهاد، والسلفية الجهادية) وهي على استعداد لقتل كل من يعارض لهم رأياً، عدا عن المعتقلين من كافة التنظيمات السلفية مثل : (جيش الإسلام، وجيش الأمة).

رابعاً : إن قرار استئصال أبناء السلفية أُخذ على جميع المستويات : السياسية والعسكرية والأمنية مسبقاً فالجيش والامن الحمساوي يحاصر مسجد ابن تيمية منذ أسبوع، وفي يوم الجمعة ومن على المنبر يعطي إسماعيل هنية الأمر بالقتل الجماعي قائلاً: «لا يوجد احد من هذه التنظيمات على ارض غزة»، والمقصود من ذلك!!: «لا تبقوا أحداً منهم على ارض غزة» هكذا تفهم يا إسماعيل.

خامساً : الى خالد مشعل.. إذا كان المهاجر السوري قدم بإيعاز منك وكنت تعلم صدق سريرته وقدراته ليدرب شبابكم في غزة وكنت تريد من دخوله إلى القطاع الالتفاف على السلفية المتحولة في «حماس» واستيعاب الصادقين منهم واستخدامهم للضربات الداخلية ضد المعارضين وأبناء الشعب الفلسطيني وكما أفاد شخص مقرب منك «انك كنت تخطط مع الإيرانيين لتشكيل نهج سلفي على الخط الإيراني» وبالتالي تنفذ مخطط إيران في ضرب المعارضين لنهجها وتشوه صورة السلفية، ولكن المهاجر تبين له الأمر فآثر الموت وهو في صف الدين والمسلمين موحداً لله على أن ينفذ برنامجك التآمري.

سادساً : من يقتل المسلمين الموحدين من السلفية في غزة الآن يا «حماس»؟ أليسوا هم الذين تدربوا في إيران ممن يظنون أنكم على حق وأنكم تريدون تحكيم كتاب الله في غزة؟ تغرر بهم القيادة السياسية التي تلتقي مع الأمريكان واليهود والرافضة التي تعبث في الأمن المصري والسعودي حيث يذهب الشباب الصادق ليتدرب في إيران عبر مصر والسعودية، يذهب وهو من أهل السنة وتغير له الجوازات من السفارات الإيرانية والمكاتب الخاصة بالشيعة ليعود متشيعاً سياسياً وعسكرياً وامنياً واقتصادياً يرتبط بالأمن الإيراني وينفذ مشروع الشيعة ويعتقد انه سني!! أليس هؤلاء من يقتلون السلفية الذين يعرفون خباياكم ويصدحون بالحق في غزة؟.

سابعاً : إن ما يستغرب حقيقة، انه كان بالإمكان تفادي كل هذه الإشكالية لكن لله أمر في فضح نوايا «حماس»، وإسقاط ورقة التوت عن «الإخوان المسلمين» الذين ساعدوا بإسقاط طالبان ونواة الدولة الإسلامية في أفغانستان، والذين شاركوا في إسقاط العراق وتولوا أول حكومة (حكومة بريمر) في العراق، وهم الذين تآمروا على عبّاس مدني وعلي بالحاج في الجزائر ....الخ. وهم الذين يخدعون ويتاجرون بـ «حماس» في فلسطين فكانت إرادة الله أن يكشف سترهم بموت ابناء مسجد ابن تيمية ليسقط آخر ورقة توت عن الإخوان وليبعث الله ممن سعوا لتجديد هذا الدين في اكناف بيت المقدس شهداء وقادة.

ثامناً : إلى ابناء «حماس» الصادقين.. انتم على مفترق طرق وعليكم حسم أموركم، هل تتحملوا وزر هذه الدماء؟ أم تعلنوا موقفاً لله ورسوله وللمؤمنين؟.

تاسعاً : إلى أبناء السلفية في كل مكان تريثوا واصبروا وصابرو وادعوا إلى الإسلام الصحيح البين.

والى هؤلاء الذين يقدمون المال دعماً لـ «حماس».. انتم شركاء في هذا الدم لأن «حماس» لم تصن ما تقدموا لهم واختلط المال الصالح من أيديكم بمال إيران الفاسد فأفسده وانقلب فساده على أبناء الشعب الفلسطيني وعلى المخلصين من أبناء السلفية.

عاشراً : سينال كل من شارك في هذه الجريمة عقابه في الدنيا والآخرة وكل من سكت عليها وكل من سخر بوقه الإعلامي لخدمتها، «والدم دين يا حماس» وليس أسوأ عند الله من القتل العمد وانتم الآن قتلة، وقد بدأتم مشوار الدم والقتل البارد، وأثبتم في كل أقوالكم أنكم حركة سياسة بل حركة باطنية وليست إسلامية، وتخليتم عن مسؤولية التحرير بأطروحاتكم وأوغلتم صدور الناس عليكم، فهل ستنام لكم عين قريرة بعد هذه المجزرة؟؟ أم ستقولون كما قال الحجاج في موت سعيد ابن جبير (مالنا وللسلفية الجهادية)؟».

ومهما تكن التبريرات غير المقنعة التي ساقتها «حماس» لقتل هذه الفئة المؤمنة إلا ان التبرير الاقوى هو ان مشروع «حماس» السياسي ارادت به ان تقدم اوراق اعتماد للمشروع الدولي وفي مقدمتها محاربة الارهاب (الاسلام والمسلمين) فتجرأت الى حد سفك دماء الشباب المسلم دون أي اعتبار شرعي او قيمي لعلها تلقى القبول في المحفل الدولي، لكننا نتساءل : هل ستلقى «حماس» القبول عند الله الذي تهون عليه حجارة الكعبة ولا يهون عليه دم المسلم؟.

على «حماس» ان تراجع دينها وتحاسب نفسها قبل ان يحاسبها الناس ورب الناس.

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

مناقشة سياسية لإجتهاد سلفي .....شاكر الجوهري

كيف يتركون السيف ويحملون البندقية، ويتمسكون بالمسواك ويرفضون فرشاة الأسنان..؟

هذا أول ما يتبادر إلى الذهن وهو يتفكر في نهج ومسلكية السلفيين الذين يعّرفون عقيدتهم بأنها "تعني السير منهجا وسلوكا على ما كان عليه السلف الصالح".

وقياسا على ذلك يمكن أن تطرح الكثير من الأسئلة:

· لم يتركون ركوب الخيل وأصناف الدواب، ويركبون فاخر السيارات والطائرات..؟

· لم يهجرون الخيام والعشيش ويسكنون المنازل والشقق الحجرية..؟

· لم يهجرون عيون وآبار الماء ويستخدمون مياه الصنبور..؟

· لم يستخدمون المراوح الكهربائية ومكيفات الهواء، ولا يستخدمون المراوح اليدوية المصنوعة من القش..؟

· لم يرتدي بعضهم فاخر الثياب ويترك ارتداء الدشداشة القصيرة..؟

· لم يجلسون على فاخر الكراسي والكنب ولا يجلسون على الأرض..؟

· لم يستخدمون أجهزة الكبيوتر وتكنلوجيا الإنترنت في بث الدعوة السلفية ولا يكتفون بإرسال السفراء يجوبون بلاد الله على اقدامهم، واستخدام الحمام الزاجل كما كان المسلمون الأوائل من أهل السلف الصالح في عهد الرسول والخلفاء الراشدين..؟

· لم يقبلون أن تجرى لهم العمليات الجراحية في أشهر المشافي ويعرضون عن الحجامة..؟

· لم يسمحون لأنفسهم (بعضهم) بلمس جسد امرأة أجنبية عنهم في الشارع في معرض تعنيفها لعدم ارتدائها اللباس الذي يرونه هو الشرعي، ويحرمون على غيرهم مجرد النظر إلى المرأة..؟

هذه اسئلة وتساؤلات نطرحها مفتتحين بها مناقشة فرضها علينا الصديق الدكتور أكرم حجازي، الذي أعلن انحيازه إلى جانب منظمة جند أنصار الله في رفح، ضد حركة "حماس" في ارجاء الأراضي الفلسطينية كافة، وذلك في مقالته الموسومة "يا حماس.. هذه سياسة ونهج دموي وليست فتنة"..!

بالطبع، الصديق أكرم ليس من اعضاء منظمة جند أنصار الله، لكنه ينحاز هنا إلى جانب "رفاق الفكر السلفي"..

وصحيح أنه لم يكّفر "حماس" في مقاله، لكن السلفيون عادة ما يفعلون ذلك. وهذا ما فعلته تحديدا المنظمة التي تبرع للدفاع عنها، متجاهلا حكم الإسلام في أن "من يكفر مؤمنا فقد كفر"..!

أما نحن، فلا ندافع عن حركة "حماس"، وإنما ندافع عن حق المجتمع في التماهي مع مبتكرات الحضارة والتكنولوجيا، والتطور الطبيعي للمجتمع انعكاسا لتطور الإقتصاد وما يفرضه من تطور لأساليب الحياة، وهو ما لا يرفضه الإسلام، الذي يحثنا رسوله الكريم على طلب العلم ولو في الصين، التي لم يكن شعبها مسلما، ولم يكن الإسلام قد وصل إلى أي من ابنائها بعد.

هل نطلب العلم لذات العلم، أم من أجل التمتع بمنجزاته العملية في خدمة الإنسان والإنسانية..؟

في الإجابة على هذا السؤال تكمن كذلك الإجابة على جميع الأسئلة السابقة التي طرحناها مطلع هذا المقال.

إنها سنة الحياة التي تأبى السكون، وتكمن في التطور والتقدم والإبداع.

غير أن سؤال الأسئلة في هذا الجانب يكمن في السبب الذي يجعل المرحومان عبد اللطيف موسى، ومنظّره أبو عبد الله السوري، يقرران التصدي لحركة "حماس" على قاعدة عدم اعتراف الفكر السلفي "إلا بوحدة الناس جميعا على الكوكب الأرضي جميعه، بمنهج وسلوك السلف الصالح، كما أراده الله الخالق جل في علاه"، وترك السلفيين انفسهم غير موحدين، ليس فقط على صعيد الكرة الأرضية، أو على صعيد العالم الإسلامي، وإنما على صعيد قطاع غزة..؟!

لم لم يعملا على توحيد المنظمات السلفية الأخرى في قطاع غزة، حيث توجد في القطاع منظمات سلفية مثل جيش الإسلام، وجيش الأمة، فتح الإسل ، جيش الله، والتكفير، عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين، جلجلة، وقصف الرعد وغيرها..؟

أوليس الأولى بالسلفيين توحيد انفسهم قبل أن يعملوا على توحيد الآخرين من المسلمين بهم..؟ ثم مع أي من التنظيمات السلفية على بقية المسلمين أن يتوحدوا..؟!

الأكثر خطورة من تعدد التنظيمات السلفية هو اقتتالها فيما بينها، كما حدث في افغانستان، حين تغلبت حركة طالبان على بقية التنظيمات.

وقياسا على ذلك، يصبح اقتتال تنظيم سلفي مع تنظيم اسلامي آخر غير سلفي متوقعا، وإن كان مرفوضا على قاعدة رفض الإقتتال بين ابناء الوطن الواحد، وليس فقط بين أبناء الدين الواحد.

تحت هذا العنوان نرفض بالمطلق التعرض لإخوتنا المسيحيين في فلسطين والعراق.

وإذا كان صديقنا أكرم ينفي أن يكون جند أنصار الله هم الذين يتعرضون لإخوتنا المسيحيين، أو للأعراس في قطاع غزة، فلم يتوجب بالضرورة أن يكون ذلك من فعل كمين حمساوي..؟

لم لا يكون من فعل تنظيم سلفي آخر..؟

ثم، لم يمتنع التيار السلفي عن إدانة الجرائم التي ترتكب بحق "الروافض" في العراق..؟!

أوليس سلفيو القاعدة هم من يرتكب هذه الجرائم النكراء، ويصدرون بها البيانات والبلاغات، ويجاهرون بقطع الرؤوس على شاشات الفضائيات..؟ ليستفيد من كل ذلك فقط العدو الأميركي..!

إن على الذين يعملون على تبرئة جند أنصار الله مما ارتكبوه من فعال يندى لها الجبين، أن يدينوا هذه الأفعال أولا.

صحيح أنه يفهم ضمنا من انكارهم مسؤولية جند أنصار الله عن هذه الفعال أنهم يعرفون أنها فعال مرفوضة ومنكرة ومستنكرة، ولكن الصحيح أيضا أنهم لا يدينونها بلغة واضحة صريحة غير ملتبسة، ولا يدينون مثيلاتها في العراق أو الجزائر وغيرهما من بلاد الإسلام والمسلمين.

إن عقيدة، أو اجتهاد "السلفية الجهادية" تقوم في أحد جوانبها على قاعدة "الإهتداء بكتاب يهدي, و البناء بسيف ينصر"..!

لكن واقع حال هذه النظرية في التطبيق يؤكد أنهم لم يهتدو بالكتاب، ولم ينصرهم السيف..!

السبب بالغ البساطة والوضوح، ويكمن في انتقائيتهم في فهم الدين، والإجتهاد في تفسير النصوص.

فهم يطرحون جانبا قول الله تعالى في سورة النحل }ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{.

ويتمسكون بفهمهم هم لقوله تعالى في سورة التوبة }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{، معتبرين كل من يخالفهم الرأي كفارا..!

وفي مقدمة ما يسقطه دعاة الإقتداء بالسلف الصالح سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه تعالى }لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك{.

بالطبع، كل ما سبق عن السلفية الجهادية، أما السلفية المسالمة التي تدعو لإطاعة "أولي الأمر منكم"، فهذه تلتقي مع السلفية الجهادية في الفهم الإنتقائي للنصوص، وإن هي تعرض عن التطبيق الإجرامي لها..!

ومع ذلك، لا نجد خلافات بين السلفية الجهادية والسلفة المسالمة، بالقدر الذي نجده داخل السلفية الجهادية نفسها، أو بينها وبين غيرها من المسلمين، آخذين في الإعتبار أن السلفية الوهابية متباينة الإجتهادات بين جهادية ومسالمة.

وسؤال الأسئلة في هذا المقام يكمن في: لم "يجاهد" السلفيون ضد مواطنيهم ولا يجاهدون ضد العدو غير المسلم..؟!

هم "يجاهدون" ضد مواطنيهم العراقيين بأكثر مما "يجاهدون" ضد الإحتلال الأميركي..!

وهم "يجاهدون" ضد مواطنيهم الجزائريين، وهم الذين لم نسمع عن جهادهم ضد الإحتلال الفرنسي..!

وهم الذين "يجاهدون" ضد مواطنيهم اليمنيين، ولم نسمع عن دور لهم في اسقاط عهد الإمامة، ولا في مجاهدة الإحتلال البريطاني..!

وهم الذين "يجاهدون" حركة "حماس" في فلسطين، ولم نسمع لهم عن أي دور معتبر في مجاهدة اسرائيل..!

بالطبع، نحن لسنا مع اطاعة اولي الأمر منا إن لم يكونوا منتخبين من شعبهم، ممثلين لمصالحه وطموحاته وتطلعاته.

سيقولون لنا مستنكرين: هل ترفضون أن تكون الحاكمية لله..؟! وهل تؤمنون بالديمقراطية الكافرة..؟!

نرد عليهم بأنهم ذبحوا ما ذبحوا من الجزائريين الأبرياء انتقاما من نظام الحكم لأنه تعمد اسقاط نتائج الإنتخابات من الحساب، بعد أن خاضوا معركة الإنتخابات البرلمانية سنة 1992.

وهذا يستدعي أنهم يخوضون الإنتخابات الديمقراطية إن كانت تصلهم إلى غرضهم، ويعرضون عنها وعن نتائجها حين لا يكونون مؤهلين للفوز بها.

هل يعقل أن تكون الديمقراطية مطلوبة مقبولة في حالة، ومرفوضة مذمومة في حالة أخرى..؟!

وهل يكون القانون الإنتخابي الوضعي مقبولا في حالة، ويكون القانون الإلهي هو المقبول والمفروض في حالة أخرى..؟!

هذا كيل بمكيالين، يرفضه شرع الإسلام..!

وبعد، فنحن نقدر أن صديقنا أكرم، كونه وجه مقاله أساسا لحركة "حماس" وأعضائها، كما يقول، بهدف يمكن استقراءه، كنه وهو مواصلة ما بدأه المرحومان عبد اللطيف موسى، وأبو عبد الله المهاجر، لجهة محاولة استقطاب اعضاء "حماس" إلى جانب فكرهم الديني، وجهلهم السياسي.

وفي هذا السياق لا غيره، نفهم فقط دعاواه المبنية على قاعدة أن الحرب (وهي هنا مع "حماس") خدعة..!

ففي هذا السياق لا غيره نفهم ايراده لكم غير قليل من المغالطات، وتبنيه دعوة المرحومين لمواصلة القتال دون توقف مع اسرائيل، التي خاضا ضدها فقط معركة واحدة، هدف منها التمهيد لمعركة لا تتوقف مع الآخر الفلسطيني ممثلا في حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، وغيرهما من فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى طريقة معركة السلفيين مع المقاومة البعثية والقومية في العراق، ذلك أنهم لا يكتفون بإعلان حربهم على "الروافض"..!

ولنفند بإيجاز:

أولا: يقول صديقنا أكرم أن "حماس" تنصب الكمائن للتنظيمات السلفية في قطاع غزة، فنرد عليه بأن "حماس" المنشغلة بمقاومة الإحتلال لا وقت لديها ولا جهد لافتعال حرب جانبية مع بعض مواطنيها، خاصة وأنها لا تكفرهم، فيما هم يكفرونها، ويعلنون الحرب عليها، وقد أعلن موسى اقامة امارته الإسلامية تحديا بـ "حماس" لا تحديا بإسرائيل..!

ومع ذلك، يريدنا صديقنا أكرم أن نصدق أن "ليست دعوة الشيخ أبو النور المقدسي (عبد اللطيف موسى) خروجاً بقدر ما كانت استعداداً للموالاة والطاعة التامة لحكومة «حماس» فيما لو طبقت الشريعة".

فماذا إن وجدت "حماس" أن الوقت غير مناسب لذلك (إعلان تطبيق الشريعة)، وهذا ما نراه نحن أيضا..؟!

ثانيا: يقول صديقنا أكرم أنه واصل الإنتصار لحركة "حماس" ورجالها الأفذاذ على مدى عقدين معددا اسماء بعضا من قادتها الراحلين أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وغيرهما، وذلك في معرض الطعن بقادتها الحاليين. ونرد عليه بأنه لم يقدم الدليل على مناصرته للقادة الذين ذكرهم في حياتهم، ونخشى أن يكون شعاره هنا أن "الحمساوي الجيد هو الحمساوي الميت"..!

ثم إن الأمر يبدو أنه يندرج تحت بند الحرب النفسية تستهدف "قادة «حماس» وكوادرها ومناصريها ولنهج الحركة وسياساتها".. الذين قال إن مقاله موجه لهم، أو تحت بند الإنحياز المسبق لفصيل سلفي بمواجهة فصيل غير سلفي، خاصة وأنه يقر في مقاله بأنه "صمتنا على الكثير من الأحداث الجسام. وانتصرنا للحق والحقيقة حيث كان وكانت. ولم نأت على ذكر «حماس» بسوء، رغم كثير ملاحظاتنا، إلا ما كان جزء من نص أو بيان أو خطاب كنا نقوم بتوصيفه على حقيقته في إطار العلاقة بين «السلفية الجهادية» و«حماس» أو «الإخوان المسلمين»، ونادراً جداً ما عبّرت عن رأيي في هذا الموضوع بالذات، وفي احايين نادرة كنا نسرب بعض الإنتقادات والكثير من النصائح المباشرة وغير المباشرة، أما خلال العدوان على غزة فقد رفضنا أن نكتب حرفاً واحداً إلا نصرة للمجاهدين وللمنكوبين"..

حسنا، نقول لصديقنا أكرم، وهل حان الأوان الآن لكل ذلك، تزامنا مع إعلان امارة التحدي الإسلامي لحركة "حماس"..؟!

ونضيف لصديقنا أكرم أيضا أننا لا نفهم قولك أنه "خلال العدوان الصهيوني المجرم على قطاع غزة قتل سعيد صيام وزير داخلية «حماس» بخيانة من داخل «حماس» نفسها" غير أنه جزء من الحرب النفسية، المستندة إلى روايات دحلانية، خاصة وأن التحقيقاعت بينت من هي المرأة التي وشت بمكان تواجد الشهيد صيام..!

يلحظ يا صديق أنك تختم مقالك قائلا "أما غطرسة «حماس» فليست ولن تظل قدر الأمة البائس. ولتتعظ قبل أن تحفر قبرها بيدها، كما يقول الشيخ أبي بصير الطرطوسي، فلم يعد ثمة قليل أو كثير من الوقت".

ثالثا: بالمناسبة، لم لا يعلن السلفيون في فلسطين الحرب على اسرائيل..؟ ونوضح أن إعلان الحرب لا يكون باختطاف صحفي بريطاني، كما فعلت عصابة آل دغمش المنتحلة إسم "جيش الإسلام" السلفي، وتتشكل من أفراد عائلة واحدة..؟

ثم ما هي الحكاية التي تجعل من تجارة الحشيشة نشاطا مشتركا بين سلفيي افغانستان، وسلفيي فلسطين..؟!

نأمل من صديقنا أكرم أن يوجه نصحا في هذا المجال لرفاقه في فلسطين..!

رابعا: يتهم صديقنا أكرم حركة "حماس" بأنها "دأبت على استخدام الإقصاء الشديد والعنف المفرط وغير المنضبط بأية قواعد قانونية أو شرعية أو انسانية أو اخلاقية ضد خصومها"، ويفوته أن يحدد هؤلاء الخصوم في:

1. جماعات الفلتان الأمني الذين انقلبوا على نتائج الإنتخابات الشرعية، على نحو جعل من وضع حد لهم عمل اضطراري لا بد منه.

2. عصابات التهريب وتجارة الحشيش والفلتان الأمني الإجتماعي في هذه الحالة، خاصة وأن ممتاز دغمش كان يعمل برتبة ملازم أول في الأمن الوقائي, وبصفته هذه نفذ قتل اللواء موسى عرفات لصالح محمد دحلان، وحاول مواصلة الفلتان الأمني في غزة لصالح دحلان ومخططاته، بهدف إبطال مبررات الحسم العسكري ضد الفلتان الذي كان.

وعلى ما سبق، فإن "حماس" ليست هي من بادر لاستخدام العنف في أغلب الحالات المذكورة، ودفعت إليه في بعض الحالات.

خامسا: يقول صديقنا أكرم أن خصومة "حماس" مع "التيار السلفي الجهادي" هي "خصومة سياسية وعقدية في الصميم. لذا فالمواجهة معه مستمرة وبلا هوادة ابتداءً من الإعتقال، وانتهاءً بالتصفية الجسدية، وحتى بالتغطية السياسية كما حصل ضد «فتح الإسلام» في مخيم «نهر البارد» شمال لبنان".

ونرد عليه بأننا ناقشا أعلاه الشق الأول من هذا الإتهام، أما فيما يتعلق بالشق الثاني منه المتعلق بالموقف من "فتح الإسلام"، فنقول بشأنه:

1. أن "فتح الإسلام" كانت مجرد مؤامرة تستهدف حزب الله في لبنان. يتضح ذلك من مصادر تمويلها السعودية (غير رسمية)، وتيار المستقبل في لبنان..!

وهي تمثل مثالا صارخا على كيف يعمل السلفيون على افتعال معارك جانبية على حساب المعركة الرئيسة مع العدو الإسرائيلي أو الأميركي، الذي تحالفوا معه يوما في افغانستان، موهمين أنفسهم أنهم هم من هزم الإتحاد السوفياتي، وأنهم قادرون من بعده على هزيمة الولايات المتحدة الأميركية..!

2. أن حركة "حماس" لا يوجد لديها جيش جرار ولا حتى مجرور في لبنان. كل ما لديها هو مكتب، وربما عدد من الحراس الشخصيين.

3. ثم إن صديقنا أكرم لا يقل لنا ما هي التغطية السياسية التي وفرتها "حماس" لضرب "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد.

إلى ذلك، فإن صديقنا أكرم يستدرجنا هنا نحو التساؤل عن السبب الذي يجعل حركة "فتح" تفتح أبواب عضويتها لسلفيين، وعن السبب الذي يجعل هؤلاء السلفيين يقررون مهادنه ومساكنة حركة "فتح" العلمانية، ومجاهدة حركة "حماس" الإسلامية..؟

والمناسبة يا صديقي، فإن الدكتور عبد اللطيف موسى كان عضوا في حركة "فتح" في ظل قناعاته السلفية، كما هو حال آخرين، ,اعرفهم وإياك، لم يغادروا "فتح" حتى الآن..!

سادسا: وحين يكون هذا هو حال سلفيون داخل "فتح"، لا يغدوا مجرد اتهام توجهه "حماس" حزمة "لمعتقلي السلفية أو ضحاياها هي تهم أمنية بامتياز. فهم، بالنسبة لها، إما مخترقون، وإما عملاء، وإما أنهم يعملون لحساب أطراف خارجية. وهذا يعني أنهم إما «كاذبون»، أو «مجرمون»، أو «جهلة»، أو «لصوص» ... ليس بينهم «شريف» ولا «طاهر» أو «عفيف»"، كما تقول في مقالك.

سابعا: دفاعا عن تلقى الرواتب من "فتح" وسلام فياض، يقول صديقنا أكرم "أما من يتلقى راتباً من «حماس» وإيران فهو وطني شريف!!!!!". ونضيف من لدينا عدد آخر من علامات التعجب، بل والإستنكار.. ونقول إن المساواة بين "روافض" ايران، وأميركا ليس إلا نوع من عمى البصر والبصيرة، قد أصيب بها محمود عباس من قبلكم، وقد قبلتم حلفه بمواجهة المقاومة الفلسطينية..!

هذا عمى بصر وبصيرة لا يماثله غير حلفكم مع اميركا ضد الإتحاد السوفياتي في افغانستنان، الذي كان من نتائجه النظام القطبي الأحادي الذي ندفع ثمنه منذ قيامه وحتى الآن دما ودموع وظلما غير مسبوق، دون أن تشعروا بعقدة ذنب، أو تبدو شيئا من ندم، أو تمارسوا نقدا للذات..!

ثامنا: "كلما حدثت مشكلة «أمنية» غامضة!!! أو مصطنعة في غزة، كلما صبت «حماس» جام غضبها على السلفية الجهادية ووجهت لها أولى الاتهامات وأبشعها، وجندت جيوشها الأمنية والحربية وشرعت في حملات مطاردة واعتقال جماعية قبل القيام بأية تحقيقات من أي نوع".

ونرد عليه قائلين، هب أن اتهامك هنا صحيحا، أفلا يكون الحل في فرز السلفيين أنفسهم وأوراقهم عن أوراق فتح وأجهزتها الأمنية يا صديقي..؟!

ومع ذلك، نقر بوجود اخطاء ترتكب من قبل عناصر "حماس"، وربما من قبل قادة في "حماس". فهم بشر خطاؤون، وخير الخطائين التوابون، ولكن لم تلتزمون الصمت على جرائم رام الله غير التوابين مرتكبوها..؟!

ثم يا صديقي لم لا نرى تنظيما سلفيا واحدا في هذا العالم الواسع بعيدا عن علاقات وتحالفات مشبوهة..؟!

تاسعا: أن مسجد أبن تيميه كان الفخ الذي نصبته "حماس" لجند أنصار الله. هذا ما يقوله صديقنا أكرم، لنسأله، وهل "حماس" هي التي دفعت صاحبك "المقدسي" لأن يعتنق السلفية، وينخرط في صفوف "فتح"، ثم يستولي على مسجد إبن تيميه، ويربطه بخندق يصله ببيته، ثم يعلن قيام امارته الإسلامية تحديا لـ "حماس" ويرفض مغادرة المسجد، ويقتل القائد القسامي محمد الشمالي، مفاوض "حماس"، وهو خارج من المسجد في آخر محاولة بذلتها الحركة لحقن الدماء..؟!

عاشرا: يقول صديقنا أكرم، في محاولة منه لتبرير عنوان مقاله، على الأقل، "فالواقع أثبت لنا أن كل ما فعلته «حماس» وتفعله، منذ دخولها للعمل السياسي الحكومي، وتوجهها نحو التسوية، هو سياسة ونهج دموي وليس فتنة.. سياسة لم يقرها أو يعمل بها السابقون"..

ونرد على صديقنا أكرم بسؤال مقابل: وكيف تبررون لأنفسكم محالفة اميركا في افغانستان ضد اصدقاء القضايا العربية العادلة، وترفضون من "حماس" تهدئة المواجهة مع اسرائيل واميركا، لأنه يتوجب بعد كل معركة كبيرة إعادة الشعب إلى حياته الطبيعية، وبطبيعة الحال كما يقول الجنرال جياب، استعدادا لمعركة كبيرة مقبلة..؟!

ونختم، بعد أن اطلنا:

صديقنا أكرم:

روح العصر التي فرضت على السلفيين مخالفة مقولات مجتهديهم التي تمت الإشارة إليها مطلع هذا المقال، تحول بيننا وتقبل فكرهم، الذي سمح لهم يوما بإعلان الحرب على ولي الأمر، الذي شاركوا في الإتيان به إلى عرش السعودية، فقط لأنه أجاز لعب كرة القدم، وافتتح محطة للراديو، ثم كانت جريمته الكبرى افتتاح محطة تلفزة..؟!

على سلفيو اليوم أن ينتقدوا أولا كل من تعارضت فتاواه مع العلم، وتصدى يوما لينكر ويشكك في دوران مركبة يوري جاجارين أول رائد فضاء روسي حول الأرض..!

بقي أن نقول أننا نلتقى مع "حماس" في مواقفها السياسية المصرة على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال، ومواجهتها الهجمة التي يتعرض لها كل المقاومين الفلسطينيين من قبل اسرائيل واميركا، وسلطة محمود عباس، وفي رفض التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. ولا نلتقي معها إن قررت تطبيق أي برنامج اجتماعي يرفضه الشعب الفلسطيني، ولا يتم اقراره ديمقراطيا.