الجمعة، 10 سبتمبر 2010

ثـقافة السلام الفلسطينية تدعم المفاوضات .... بقلم/ : نقولا ناصر

في فقرتين من خطابه بواشنطن يوم الأربعاء الماضي الذي دشن إطلاق العودة إلى المفاوضات المباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، أورد الرئيس الأميركي باراك أوباما سببين يدعوانه للتفاؤل بأن "التقدم ممكن" في المفاوضات. ومع أن الباحث عن الفقرتين بالكاد يعثر لهما على أثر في وسائل الإعلام الرئيسية التي لم تورد نص خطابه كاملا، فإن عدم تسليط الأضواء عليهما لا يقلل من أهميتهما كدليل ملموس على جبهة ثالثة مفتوحة، قلما تحظى بما تستحقه من تغطية إعلامية أو ردع وطني، تستهدف غزو العقل الفلسطيني بمفاهيم عن السلام لا علاقة لها بالسلام بقدر علاقتها بالاستسلام للاحتلال كأمر واقع هدفها ترسيخ الاحتلال والاعتراف به و"التعايش السلمي" معه واعتباره "شريكا في السلام"، وهو ما يمكن تلخيصه ب"نشر ثقافة السلام" بهذه المفاهيم في أوساط عرب فلسطين ككاسحة ألغام ثقافية تردف التصفية العسكرية للمقاومة الوطنية، وهذا هو الاحتلال الأخطر.

السبب الأول الذي ذكره أوباما هو أن "الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية تتعاونان فعلا الآن على أساس يومي لزيادة الأمن وتخفيض العنف"، في إشارة إلى التنسيق الأمني ومطاردة المقاومة. والسبب الثاني هو أن "الإسرائيليين والفلسطينيين العاديين ـ أي القادة الدينيون وجماعات المجتمع المدني والأطباء والعلماء ورجال الأعمال والطلاب ـ يجدون طرقا للعمل معا كل يوم. إن جهودهم البطولية على المستوى الشعبي تبين أن التعاون والتقدم ممكنين وينبغي لهذه الجهود أن تكون مصدر إلهام لنا جميعا"، لذلك "فإننا نرى فعلا أساسا لإحراز تقدم".

إن الرسالة التي تبعثها إشادة أوباما ب"الجهود البطولية على المستوى الشعبي" بين أناس "عاديين .. يجدون طرقا للعمل معا كل يوم" هي رسالة مضللة، لأنها توحي بأن هذه "الجهود البطولية" تبذل طوعا بمبادرات ذاتية، لكنها في الحقيقة جهود شاذة ينحت التمويل الأميركي وغير الأميركي لها في الصخر لكي يشق طريقا لها وسط الثقافة الوطنية السائدة المقاومة للاحتلال، لا بل إن هذا التمويل يلجأ إلى وسائل الإكراه والابتزاز واستغلال الحال الاقتصادي المتدهور لفرضها، مثـل الاشتراط الأميركي بوجوب أن تكون مثل هذه الجهود فلسطينية ـ إسرائيلية "مشتركة" للحصول على التمويل أو التوقيع على تعهد ب"نبذ الارهاب" للحصول على التمويل.

غير أن كلا السببين اللذين أوردهما أوباما يؤكد بأن القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير صادقة في تكرار تأكيدها على وفائها باستحقاقات السلام، مقدما، ومجانا، ودون المعاملة بالمثل، وقبل أن يتم التوصل إلى أي اتفاق للسلام ما زالت تلهث وراء سرابه دون طائل حتى الآن، ويؤكد كذلك بأن "ثقافة السلام" التي تلتزم بها إنما تصب فقط في خدمة تحييد الأسس الثقافية للمقاومة التي يقرها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الطبيعي والعرف الإنساني وشرع الله.

وتكمن "ثقافة السلام" التي ينشرها مفاوض منظمة التحرير في صلب الأساس الذي يدعو أوباما إلى التفاؤل. فالتطور في "العقيدة الأمنية" لأجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي الذي أشار إليه الناطق باسمها اللواء عدنان الضميري قبل شهرين، دون أن يوضحه، كان عبد الرزاق اليحي وزير الداخلية السابق في حكومة د. سلام فياض قد أوضحه عندما قال إن عقيدة هذه الأجهزة ليس التصادم مع قوات الاحتلال، بحجة التزامات السلطة بموجب الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال، بالرغم من عدم المعاملة بالمثل، وبالتالي فإن التصدي للاجتياحات والاغتيالات ومكافحة التجسس ( كما يحدث في قطاع غزة ) ليس من وظائف هذه الأجهزة، مع أن القانون الأساسي للسلطة، وهو بمثابة دستورها، يحدد وظائفها في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع، لتتحول الوظيفة الأساسية لهذه الأجهزة إلى التنسيق مع قوات الاحتلال، ولتتحول هذه القوات إلى شريك في الحفاظ على الأمن والسلام ضد "العدو المشترك" المتمثل في المقاومة الذي تسميها دولة الاحتلال "الإرهاب" وتسميها السلطة أسماء اخرى مثل "الخارجين على القانون والشرعية".

واللافت للنظر أن متوسط أعمار منتسبي المؤسسة الأمنية حاليا يقل عن ثلاثين عاما، كما قال اللواء الضميري، بعد أن أحالت حكومة فياض كل أجيال "الثورة" و"المقاومة" المخضرمة في هذه المؤسسة إلى التقاعد بحجة الإصلاح، مما يعني أن "السلالة الفلسطينية الجديدة" التي تحدث الجنرال الأميركي كيث دايتون عن "إنتاجها" في إطار "ثقافة السلام" إياها أثناء مهمته لدى السلطة الفلسطينية التي استقال منها مؤخرا قد تسلمت المقاليد الأمنية لهذه السلطة فعلا.

ولهذه السلالة الفلسطينية "الأمنية" الجديدة المهجنة أميركيا رديف "مدني" هو السبب الثاني الذي يدعو أوباما للتفاءل.

إن تصريح الرئيس محمود عباس في المناسبة نفسها بأن العلاقة الي يريدها بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين هي علاقة "سلام بينهم، وعيش طبيعي بينهم" وأنه يريد "أن نعيش شركاء وجيران إلى الأبد" هو تصريح ينطوي على مفارقة مفجعة إذا ما وضع في إطار الانفصال إلى الأبد عن الاحتلال الذي كان الهدف الرئيسي للانتفاضة الفلسطينية الأولى في ثمانينات القرن الماضي التي جاءت بمنظمة التحرير إلى الأرض المحتلة في المقام الأول، لكن الأهم في تصريحه أنه يفسر "ثقافة السلام" السائدة في عهده، وهي ثقافة تزرع الهزيمة في العقول وتخلق طابورا خامسا من المتطوعين للتعايش السلمي مع احتلال ما زال يصر بالرغم من ذلك على استخدام لغة القوة، طابورا مهيئا "ثقافيا" للتجنيد الاستخباري المعادي وللتعاون مع الاحتلال ضد مقاوميه اقتداء بقيادته الثقافية والتزاما بثقافة السلام التي ينشرها مفاوض منظمة التحرير أو يغض النظر عن التمويل الأميركي والأوروبي لنشرها.

إن تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية الذي تداولته وسائل الإعلام الفلسطينية على نطاق واسع الأسبوع الماضي عن حملة إعلامية يقودها عباس وكبار مفاوضيه تحت شعار "نحن شركاء، وأنتم ؟" التي تشرف عليها "مبادرة جنيف" في إطار "تحالف السلام الفلسطيني – الإسرائيلي" بقيادة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه بتمويل أميركي قدره مليون شيقل إسرائيلي إنما هو تقرير يكشف فقط قمة جبل جليد لشبكة واسعة من المنظمات المماثلة الأصغر التي أشاد أوباما بـ "جهودها البطولية" في نخر الأساس الثقافي لمقاومة الاحتلال "على المستوى الشعبي" الفلسطيني.وهي شبكة لم تنقطع "مفاوضاتها" يوما، وهي "مفاوضات شعبية" تجري على كل المستويات الدنيا سواء في المؤسسة الأمنية أو في منظمات "فلسطينية – إسرائيلية" للمجتمع المدني تتكاثر كالفطر، حيث يصول ويجول فيها خبراء الحرب النفسية والاستخبارية لدولة الاحتلال بكامل حريتهم في التواصل اليومي مع القطاعات الشابة بخاصة من الشعب الفلسطيني دون أي رقيب أو حسيب، ودون أي إجراء من "السلطة الوطنية" لحظر مثل هذا "التواصل الشعبي" أو لحصر الاتصال والتعاون مع دولة الاحتلال بالمفاوض نفسه أو في الأقل لتحصين من يقعون في أفخاخ مثل هذه "المفاوضات الشعبية" بمفاهيم وطنية مستوحاة من الثوابت الوطنية لشعبهم، لا بل إن هذه "الجهود" التي وصفها أوباما ب"البطولية" تجد كل التشجيع والقدوة في قيادات التفاوض نفسها.

في الثامن عشر من الشهر الماضي لم يفكر شاب فلسطيني من ضحايا ثقافة السلام هذه في "الاطلاع" على معاناة أبناء شعبه في عشرات الكانتونات المحاصرة بالمستعمرات الاستيطانية وجدار الضم والتوسع وقوات الاحتلال في الضفة الغربية، أو معاناة آخر تجمع عربي فلسطيني بجوار المسجد الأقصى في سلوان، أو معاناة أهله في دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها، أو معاناة بعض آخر من أهله المحاصرين في قطاع غزة، أو في غير ذلك من التعبيرات الحية للنكبة الفلسطينية المتواصلة منذ عام 1948، بل فكر في معاناة اليهود في العهد النازي لكي يقود وفدا من 22 شابا وشابة فلسطينية لزيارة متحف "الهولوكوست" المقام على أرض مغتصبة من أهله في القدس المحتلة "للاطلاع" على معاناة أصبحت اليوم جزءا من التاريخ.

وهذه عينة من الرديف "المدني" للسلالة الأمنية الفلسطينية الجديدة التي تعمل على "إنتاجه" شبكة يضمها "منتدى مؤسسات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية" الذي يبحث عن قواسم مشتركة تعطي أولوية، على سبيل المثال، للكفاح النسوي الفلسطيني ـ الإسرائيلي المشترك ضد سيطرة الرجل الذكورية على أية قواسم مشتركة فلسطينية لمقاومة الاحتلال، وتشمل الشبكة "جهودا مشتركة" و"مفاوضات شعبية" متواصلة للتعاون الجامعي والطبي والصحي والبيئي واللغوي والعلمي والثقافي والفني والديني والتعليمي والعائلي ( لمن فقدوا أعزاء في الصراع ) والأبحاث والحوار والتنمية والإبداع وعلم تسوية النزاعات والإعلام والمرأة و"زيتون السلام" بل توجد في هذا المنتدى منظمة باسم "محاربون من أجل السلام" تجمع بين مقاومين وجنود احتلال سابقين، ناهيك عن المدن الصناعية وجيش فلسطيني من رجال الأعمال والوكلاء والموزعين التجاريين لمنتجات دولة الاحتلال.

ومن المفجع وطنيا أن تكون جنين التي تحولت إلى رمز للمقاومة خلال انتفاضة الأقصى، في شمال الضفة الغربية لنهر الأردن، قد تحولت اليوم إلى "قصة نجاح" لثقافة السلام هذه يسوقها أصحابها كمثال ونموذج يحتذى به.

وجميع "المفاوضين الشعبيين" المنخرطين في هذه الجهود مرتبطين مصلحيا ووظيفيا ببقاء الاحتلال واستمراره، وقد افرزت هذه الظاهرة محترفين فلسطينيين في كتابة مشاريع طلبات التمويل أشبه بكتبة الاستدعاءات المنتشرين أمام المحاكم. وجميع منظمات هذه الشبكة ممولة أجنبيا بمساهمة "إسرائيلية" تمويلا لخص المسرحي الفلسطيني إسماعيل الدباغ نتائجه المدمرة عندما قال: "بأمانة .. التمويل حول المسرحيين إلى مرتزقة"، يساهمون بوعي أو دون وعي في هدم أية جسور لبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية بينما يقيمون كل الجسور الممكنة مع دولة الاحتلال، ويجدون لهم في ذلك قدوة في قادة التفاوض.

فكبير مفاوضي المنظمة، د. صائب عريقات، عدا عن التمويل الأجنبي المشروط سياسيا لدائرة شؤون المفاوضات التي يرأسها وعن كونه مشاركا في حملة "يوجد شريك فلسطيني" التي تقودها "مبادرة جنيف" منذ سنوات عديدة، مما يتناقض مع معارضته القوية المعلنة في حينه لأي شراكة لحركته "فتح" مع حماس في أي حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، هو أيضا داعم نشيط لحركة "صوت واحد" الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وعضو مجلس إدارة "بذور السلام" التي تنظم مخيمات صيفية مشتركة لفتية فلسطينيين وإسرائيليين وعرب، وقد تخرج ثلاثة من أبنائه من هذه المخيمات، لأنه يؤمن بأن حل الصراع مع دولة الاحتلال ممكن فقط بصنع السلام بين "الشعوب" قبل صنعه بين الحكومات، وعبر التفاوض "فقط" وهي قناعة سبق له القول إنه توصل إليها منذ حصوله على درجة الدكتوراة بمنحة دراسية من كلية دراسات السلام الممولة من وقف لطائفة الكويكرز الأميركية بجامعة برادفورد البريطانية عام 1983.

أهي مصادفة أن عباس وعبد ربه وعريقات هم الفريق الرئيسي المفاوض اليوم في واشنطن بعد أن صفى الاحتلال جسديا كل القيادات الفلسطينية الأخرى، أو نجح مع راعيه الأميركي في إبعاد من بقي حيا منها عن صنع القرار الفلسطيني، من المؤمنين بثقافة سلام مختلفة أساسها العدل تضرب جذورها في رسالة السلام الإسلامية والمسيحية التي يؤمن شعبهم بها ؟ ... ... ..

( كاتب عربي من فلسطين ).

الكارثة المحدقة نجاح المفاوضات لا فشلها.. سمير كرم


ماذا لو نجحت المفاوضات المباشرة الجارية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي؟


لقد سيطر التشاؤم على التصريحات والتعليقات الصادرة حتى الآن بشأن احتمالات نتائج هذه المفاوضات. ولكن الأسس التي تقوم عليها هذه المفاوضات لا تدعو أبدا إلى الاستسلام لهذا التشاؤم الذي غلب حتى على الأميركيين وعلى الإسرائيليين من كثرة ما قابلهم من فشل في مفاوضات سابقة.
الحقيقة أن إجراء هذه المفاوضات هو من المنظورين الأميركي والإسرائيلي انجاز بحد ذاته. فمن كان يتصور أن تتنازل السلطة الفلسطينية عن آخر ما كانت تتمسك به كشرط للدخول في تلك المفاوضات المباشرة؟ من كان يتصور أن تهدي السلطة الفلسطينية هذا التنازل للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد كل ما قدمه للإسرائيليين من تأكيدات مقابل الإهانات التي لحقت به وبنائبه جوزيف بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون... فقط لكي يحصل من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي على موافقة على دخول هذه المفاوضات بشروطه ـ هو بل بشروط وزير خارجيته افيغدور ليبرمان - الذي قبل أن ينحى عن المشاركة في مفاوضات مع الفلسطينيين أيا كانت الشروط مع انه بقي في الوزارة الإسرائيلية؟
ومن كان يتصور أن يقبل اثنان من رؤساء الدول العربية احدهما رئيس مصر وثانيهما ملك الأردن ان يلعبا دور الديكور في افتتاح هذه المفاوضات تأكيداً لمباركة النظم العربية التي تقيم سلاما رسميا مع إسرائيل وتلك التي تترقب الفرصة لتسنح لها للانضمام إليهما؟
ليس من المتصور ولا من المنطقي أن تفشل مفاوضات استطاع فيها احد الطرفين الرئيسيين أن يملي كل شروطه، بالإضافة إلى سيطرته الكاملة على الأرض، بينما قبل الطرف الرئيسي الثاني أن يلقي جانبا بكل ما كان له من شروط حتى اللحظة الأخيرة. إنها فرصة سانحة للطرف الأول قد لا تأتي أبدا مرة أخرى وهي للطرف الثاني لحظة لا بد أن تنتهي باحتفال يستطيع فيه أن ينسب لنفسه نجاحا هو الفشل بعينه.
إن التعاون الأمني الكامل والتفصيلي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بلغ مستوى لم يسبق له مثيل، ليس فقط بين هذين الطرفين، بل بين أي طرفين كانت بينهما حرب في حقبة من التاريخ قديمة أو حديثة. مع ذلك فلا بد من أن نتنبه إلى أن لإسرائيل شروطا مطروحة في المفاوضات المباشرة غير شروط الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والمنزوعة السيادة... شروطا تتعلق بالتعاون للقضاء على المقاومة بكل فصائلها التي تعارض هذا السلام الاستسلامي.

يخدع نفسه من يظن أن بالإمكان أن تقبل إسرائيل ان تقوم السلطة الفلسطينية بدور الدولة الفلسطينية في حل الدولتين إذا لم تكن تتعهد من البداية بالقضاء على فصائل المقاومة التي تعارض ما يجري من نهب لحقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والسيادة والمياه والأجواء.


إن هذا الاحتمال المرجح بان تنجح المفاوضات المباشرة يشكل احتمالا بنكبة كبيرة ـ ربما أخيرة ـ للشعب الفلسطيني.
لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق لإسرائيل في هذه المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية ما لم تستطع أميركا أن تحققه في المفاوضات لإنهاء حرب فيتنام.. تلك التي انتهت بهزيمة نهائية لا رجعة فيها للقوة العسكرية الأكبر في العالم أمام مقاومة لم تتوقف وعدوان أميركي ظل يتصاعد حتى حينما كانت المفاوضات جارية.
هذا هو درس التاريخ الذي لا ينسى عن أهمية المقاومة المستمرة حتى وان كان الطرف المواجه للمقاومة بكل قوة أميركا العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية.
كان ذلك حينما سيطر على الولايات المتحدة شعور عارم باستحالة تحقيق نصر عسكري على فيتنام. اعترف بذلك الجنرالات والوزراء والمستشارون. واضطرت أميركا لأن تسعى إلى التفاوض. وفي 3 أيار 1968 بدأت المفاوضات في باريس. نعم باريس التي كانت قد تلقت هزيمتها النهائية على يد فيتنام قبل ذلك بنحو 13 عاما. وبعد توقف قصير طقوسي لافتتاح المفاوضات استأنفت أميركا قذف فيتنام (الشمالية آنذاك) بالقنابل على نطاق غير مسبوق وبكثافة فاقت كثافة غارات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. فلقد بدا واضحا لأميركا أن المقاومة في فيتنام (الجنوبية آنذاك) لم ولن تتوقف بسبب المفاوضات.
استمرت مفاوضات باريس واستمر نشاط المقاومة الفيتنامية شمالا وجنوبا. وكان آخر أمل تعلقت به أميركا في فيتنام الحرب والمفاوضات هو أن تنجح خطتها لـ«فتنمة» الحرب أي نقل العبء القتالي إلى أكتاف جيش فيتنام الجنوبية لتتمكن أميركا من مواصلة الانسحاب.
في كانون الثاني 1973 ـ أي بعد 5 سنوات من المفاوضات والحرب على خطين متوازيين وقعت اتفاقية باريس لوقف إطلاق النار وتحقيق الانسحاب الأميركي الكامل.
لم تكن هناك شروط أميركية تفرض قيودا على حركة فيتنام المقاومة ـ شمالية وجنوبية ـ بعد انسحاب أميركا العسكري من الساحة. لهذا فانه في 21 نيسان 1975 استطاعت فيتنام أن تسقط السلطة الموالية للولايات المتحدة في الجنوب. وقعت فيتنام الجنوبية برمتها في أيدي القوات المقاومة ودخلت هذه القوات عاصمة الجنوب في 30 نيسان 1975 وانتهت الحرب وبدأ توحيد فيتنام.
توحدت فيتنام بقوة المقاومة. تحقق الهدف الذي من أجله حاربت فيتنام كلا من فرنسا والولايات المتحدة في حربين متتاليتين لم يفصل بينهما في الحقيقة فاصل زمني، لأن الولايات المتحدة ردت على هزيمة أميركا في حرب الهند الصينية رد من يريد أن يرث الهند الصينية كلها من الإمبراطورية الفرنسية المهزومة.
من كان يمكن أن يتصور أن تخرج الولايات المتحدة من حرب الاستيلاء على الممتلكات الفرنسية بهزيمة أثقل من الهزيمة التي ذاقتها فرنسا؟
لا تكتمل الصورة عن هذا الدرس التاريخي إلا إذا حاولنا أن نعرف كم كان عدد ضحايا فيتنام في الحرب مع أميركا. لقد كان المألوف طوال أيام تلك الحرب التي استغرقت 13 عاما هو إحصاء عدد الجنود الأميركيين القتلى والجرحى والمفقودين وعدد الطائرات الأميركية التي أسقطت، ولم يكن ثمة ذكر للضحايا من الفيتناميين عسكريين كانوا أو مدنيين. لكن أخيرا أذيع تقدير لأعداد ضحايا الحرب على الجانب الفيتنامي بعد نحو أربعين عاما من نهاية الحرب. يفيد هذا التقدير أن فيتنام فقدت نسبة 16 في المئة من سكانها في السنوات بين 1960 و1973.
انسحبت أميركا بالكامل من كل بلدان الهند الصينية تماما كما حدث لفرنسا بعد الهزيمة. وبدا أن أميركا لا تملك إلا التفكير على مدى ثلاثين عاما تالية في أن تتجنب «فيتنام أخرى». ولعل من المناسب هنا أن نذكر أن شعور أميركا كان مريرا إلى حد أنها لم تف بوعد قطعته على نفسها في ختام مفاوضات باريس بأن تدفع تعويضات لفيتنام عما أصابها من دمار. كان هذا كل ما استطاعت أميركا أن تبديه انتقاما من فيتنام.
هل يمكن مقارنة مفاوضات باريس بين فيتنام والولايات المتحدة بالمفاوضات المباشرة الحالية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟ ومن أي زاوية تكون المقارنة؟ أي طرف في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية يمكن اعتباره في الوضع الذي كانت فيه أميركا أو الذي كانت فيه فيتنام؟
لعل الأجدى أن تكون المقارنة بين النتائج والنتائج في الحالتين. وقد يقول قائل ولماذا ونتائج المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية لم تبرز بعد؟ ولكن الحقيقة أن النتائج واضحة من الآن، واضحة في استعداد السلطة الفلسطينية للاستجابة لكل ما يطلب الإسرائيليون والرئيس الأميركي. وهل يمكن أن نتوقع أن تأخذ الإسرائيليين أو الأميركيين شفقة بالجانب الفلسطيني أو ميل إلى مكافأْته على ما يقدم من تنازلات؟
إن كل ما تستطيع السلطة أن تتوقعه تحت عنوان «دولة فلسطينية» هو حكم ذاتي وسط احتلال عسكري إسرائيلي متمكن. هذا أمر يعرفه الفلسطينيون جيدا، يعرفه بشكل خاص أولئك الذين يتطلعون بجدية إلى هدف الدولة الفلسطينية وبسبب جديتهم يعرفون من تجارب المفاوضات السابقة كلها مع الإسرائيليين والأميركيين أن لا آمل في دولة فلسطينية حقيقية مستقلة وذات سيادة وقادرة على الحياة جنبا إلى الجنب مع إسرائيل. يعرفه أولئك الذين كان لديهم أمل أخير بأن يتمسك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشرط أخير للاشتراك في مفاوضات مباشرة، وهو أن توقف إسرائيل فعلياً نشاطها الاستيطاني في الأراضي التي يفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية.
لقد أقدم نتنياهو على دخول المفاوضات المباشرة بعد تلويح متكرر إلى مواقف «المتطرفين من اليمين الإسرائيلي» الذي يمكن أن يطيح بحكومته الائتلافية لما يعرفه من أن المقاومة الفلسطينية موجودة ولها مواقفها واعتراضاتها على الشروط الإسرائيلية، ولما يعرفه عن ضعف محمود عباس وعن تأييد الغالبية الساحقة من الفلسطينيين لمواقف المقاومة وشروطها. لقد دخل نتنياهو المفاوضات في ظل أفضل وضع يمكن لرئيس وزراء إسرائيلي تصوره. دخل المفاوضات بعد أن ضمن أفضل أوضاع التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية خاصة في بؤرتي الخليل وجنين. وقد بدا واضحاً ـ عن غير قصد طبعا- أن نتنياهو لم يكن في وضع يستطيع فيه أن يضحي بمكاسب المفاوضات المباشرة بأن يقطعها بعد الضربة الموجعة التي وجهتها المقاومة إلى إسرائيل في الخليل حيث كان الألم الإسرائيلي مضاعفاً لقتل أربعة من المستوطنين في منطقة تحت سيطرة إسرائيل العسكرية الامنية.
كذلك فقد أقدم نتنياهو ـ وبالمثل عباس ـ على المفاوضات المباشرة واثقا من أن أميركا قد ضمنت وأمّنت السرية لهذه المفاوضات، سواء الجانب المبدئي الذي جرى منها في واشنطن أو الجوانب التي ستجري في مصر (شرم الشيخ) أو في الأردن. إن الأطراف المباشرة وغير المباشرة تعرف أن السرية شرط لجميع المشاركين يصل إلى حدود التقديس. وهذا يلائم نتنياهو بسبب حلفائه ويلائم عباس بسبب المقاومة التي يهمه أن يتم الاتفاق سراً على دوره في محاربتها، ويلائم كلا من مصر والأردن اللتين تدركان أنهما تواجهان معارضة من جماهيرهما التي تعضد المقاومة وترفض المفاوضات. وتعرف سلطة القاهرة وعمان جيدا من واقع تجربتهما أن السلطة الفلسطينية ستجبر على التعهد بما لا يرضي جماهير الفلسطينيين كما أجبرتا في السلام الرسمي مع إسرائيل على قبول أوضاع وشروط في سيناء وفي وادي الأردن لا قبل لهما بالإعلان عنها.
لقد قبل المشاركون المباشرون وغير المباشرين بهذه المفاوضات اقتناعا منهم بأن فشلها ستكون له آثار وخيمة عليهم جميعا. أما نجاحها فإن آثاره الوخيمة ستقع على رؤوس الفلسطينيين وحدهم. في حالة الفشل فإن إسرائيل ستبيح لنفسها حق الحرب في أي اتجاه شاءت. أما في حالة النجاح فإنها ستعد بأن تكون حربها ضد المقاومة ومن يقفون معها.
أما على الجانب الأميركي فيلاحظ أن الحديث كثر في الفترة الأخيرة عما أعلنه الجنرال ديفيد باتريوس عندما كان قائدا للقيادة المركزية الأميركية من أن العداء لأميركا يستفحل في منطقة الصراع العربي- الإسرائيلي وفي العالم الإسلامي بسبب استمرار هذا الصراع. ويتردد أن احد أهم أهداف الرئيس أوباما هو وقف دائرة الكراهية لأميركا عن طريق اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولا ندري من اقنع أوباما بأن مثل هذا الاتفاق غير المتوازن على دولة فلسطينية ناقصة يمكن أن يوقف دورة الكراهية ضد أميركا؟
كما لا ندري من أقنع المشاركين في المفاوضات المباشرة بأن نجاحها أفضل من فشلها؟
هذا نجاح إذا تحقق يكون الفشل أشرف منه، لأنه هزيمة كاملة لأصحاب المصالح الحقيقيين، وهم الفلسطينيون، ونجاح للاحتلال وتأبيد للانقسام. واستعيدوا درس فيتنام."السفير

شعث ابن غزة يريد المصالحة وعريقات لا يعيرها اهتماما ..الاهرام : صراع مكتوم علي رئاسة الوفد الفلسطيني المفاوض

-الاهرام المصرية
القاهرة / أشرف أبوالهول‏/ رغم ان مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية بدأت رسميا وفعليا الا أن صراعا مكتوما مازال يدور داخل الجانب الفلسطيني حول الشخص الذي سيتولي رئاسة فريق المفاوضين الفلسطينيين‏ وذلك بعد تدشين المفاوضات في واشنطن في بداية الشهر الحالي بحضور الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس محمد حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني علاوة علي الرئيس الفلسطيني محمودعباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو.
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة النقاب عن صراع مكتوم يدور بين اثنين من القادة الفلسطينيين البارزين هما الدكتور صائب عريقات والدكتور نبيل شعث حول من يترأس الوفد في غياب الرئيس محمود عباس الذي لايتوقع ان يترأس بنفسه جميع الجلسات وحتي في حالة وجوده فإنه سيكون في حاجة لشخصية تقود الفريق المعاون لهوحسب المصادر الفلسطينية فإن اعضاء القيادة الفلسطينية منقسمون حول عريقات وشعث حيث ان كليهما عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح وكلاهما له تاريخ طويل في قيادة وفود التفاوض سواء مع الاسرائيليين او الامريكين لكن الدكتور شعث يتفوق في انه كان يترأس ايضا الوفدالفلسطيني في محادثات المصالحة مع حركة حماس والتي استضافتها مصر طوال عام‏.2009‏وبالنسبة لمؤيدي الدكتور عريقات فإنهم يؤكدون انه الاولي بالمنصب لانه يشغل حاليا منصب رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في حين يؤكد انصار الدكتور شعث ان تاريخه اكبر الا انه سبق ان شغل مناصب وزارية سواء تحت قيادة الرئيس محمود عباس أو الرئيس الراحل ياسر عرفات ومنها منصبا وزير الاعلام ووزير الخارجية‏.‏وتجلي الصراع بين عريقات وشعث علي رئاسة الوفد الفلسطيني في حرب تصريحات وتصريحات مضادة حول الجولة المقبلة من المفاوضات المباشرة والتي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين حيث بادر الدكتور شعث بإصدار تصريحات تتعلق بلقاء سري تمهيدي لتلك الجولة‏,‏ ورد عريقات بنفي ماجاء في تصريحات غريمه علي رئاسة الوفد في المفاوضات وعاد شعث للتأكيد علي ان المفاوضات ستشمل جولات معلنة‏,‏ وغير معلنة وهنا حاول عريقات قطع الطريق علي شعث بالقول ان الرئيس محمود عباس هو الذي سيترأس الفريق المفاوض ويقول خبثاء ان المنافسة بين شعث وعريقات تتخذ بعدا اخر غير معلن هو البعد الاقليمي حيث ان انصار شعث يرغبون في رؤيته يترأس فريق التفاوض لانه ينتمي لقطاع غزة وبالتالي يضمنون ان يتم ادراج قضية المصالحة الفلسطينية واعادة التواصل بين الضفة الغربية والقطاع في المفاوضات وهو ماترفضه اسرائيل حتي الآن تبدو وكأنها مستريحة من الانقسام الفلسطيني الحالي ويرون ان هذا الامر قد لايشغل بال الدكتور عريقات كثيرا لانه من ابناء الضفة ويرفض المصالحة مع حماس‏