مع إنطلاق الحوار في القاهرة بين أهل الحق وأهل الباطل فإنه قد ظهرت نوعيتين متضادتين وقعتا ما بين إفراط وتفريط أظهرت وجود خلل لدى البعض في إدراكه لطبيعة صراع الحق والباطل وعدم استيعابه لدوره كمسلم يتوجب عليه امتلاك الوعي المستلهم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي سار عليها المسلمون على مر العصور وعمل من خلالها القادة العظام من أمثال الخلفاء الراشدين وصلاح الدين الأيوبي وكبار المجاهدين الذين ثبتوا على العهد فما بدلوا ولا غيروا من الثبات شيئا نحن أمام فريقين وبينهما أهل الثبات والفهم والتصور الشمولي لحقيقة الوضع ومجرياته الذين يبتعدون عن سطحية عاطفية أو عصبية مقيتة تعمي البصر والبصيرة وتجعل الفرد متذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ليصبح بين يوم وآخر متغير المواقف متضارب الأراء يوجه سهامه للمجرم والبرئ على حد سواء !الفريق الأول لم يعي حقائق السيرة النبوية ومفاهيمها وسياستها الشرعية التي تعمل لصالح المسلمين لتجده مثل الخب الذي يخدعه خب !هذا الفريق لم يستوعب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما لم يكتفي بحوار يهود المدينة مرات ومرات بل وجعلهم مواطنين فيها لهم حقوق وعليهم واجبات مطالبين بادائها والقيام بها كما جاء في وثيقة المدينة عندما هاجر اليها النبي صلى الله عليه وسلم ونظم من خلالها العلاقة السياسية والامنية بين القاطنين فيها من المسلمين وغيرهم ليوجب عليهم الاشتراك في الدفاع عنها والعمل من أجل صالح الدولة الناشئة حينها كان النبي صلى الله عليه وسلم برغم معرفته بمكر يهود وخيانتهم وخداعهم فإنه كان يطالبهم بالالتزام بما توجبه عليهم حقوق المواطنة التي قبلوها من خلال وثيقة المدينة ولم يعني محاورة النبي صلى الله عليه وسلم لهم إضفاء أي صفة خير أو إحسان الظن بهم أو الانخداع بظاهر كلامهم وإنما بقي اليهود هم اليهود في نظر المسلمين ولم تتغير هذه النظرة لديهم ليحسنوا الظن بقادة يهود وكبرائهم الذين لم يتوقفوا عن المؤامرات والدسائس والاتصال بالأعداء لحثهم على العدوان على المدينة ولو نظرنا لمن اشتهر بإسم الاحمق المطاع وهو عيينة بن حصن فإننا نجد أنه شارك مباشرة في التحريض على قتال المسلمين وقاد قومه للاشتراك في الحرب القبلية ضد المدينة المنورة ومع ذلك فقد راسله النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الحرب وحاوره وقدم له العروض من أجل صالح المسلمين وليس من أجل صالح عيينة بن حصن وقومه وبعد انتهاء الحرب الأولى التي خاضها عيينة بن حصن ضد المسلمين وبعد محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بقي على حاله من الحماقة التي تعادي المسلمين ومع ذلك فقد حاوره النبي صلى الله عليه وسلم من أجل عدم نصرة اليهود في خيبر عندما غزاها المسلمون ولم يعني ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تتغير نظرته لعيينة بن حصن ويظن به الخير ولكن محاورته كانت من اجل مصالح المسلمين لرد هذا الاحمق عنهم الذي لم يدع حماقته ولا حقده ولا عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم ( ونحن في زماننا يوجد لدينا أحمق فاجر لديه عزيمة في حمقه لن تتغير ولن يجعله الحوار في حقيقة الأمر أخا أو رجلا نظيفا وإنما سيبقى على حماقته إلى أن يشاء الله ) ولن نكتفي بوقفات مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشأن أهداف الحوار وآليات وكيفية العمل من أجل صالح المسلمين وليس الأعداء وإنما سنتجه الى مثال رباني مجاهد تشرب هذه المعاني من السيرة فعمل بها ليصنع انتصارا عظيما من انتصارات المسلمين خلد في التاريخ الاسلامي والغربي على حد سواء لقد تعلم صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه هذه المعاني التي يتوجب على القائد الحكيم التحلي بها ليكتم غيضه الشخصي ويعلم بأن الغيض لاتدار به الدول ولا يعالج الأحداث وإنما هو مجرد مخزون متراكم سيأتي له وقت يمهد من خلاله بروية وصبر للاقتصاص من الخائن الفاجر لقد صبر صلاح الدين على خيانات شاور المتتالية الذي كان ينام على عهد مع صلاح الدين لينقضه في الصباح لتصبح عادته الخيانة والعمالة والاجرام وحينها كان ما يزال صلاح الدين شابا مندفعا لاتوجد لديه انصاف حلول ولا حكمة سياسية تعلم أين تضع السيف وأين ترفعه ولكن عمه المجاهد أسد الدين شيركوه علمه هذه المعاني ليدرك بأن تخبطات شاور وخيانته ماهي الا محاولات غريق يرى سراب قشة يريد التعلق بها وأن له وقت سيأتي فيه الحساب ولذلك منع شيركوه صلاح الدين من قتل شاور مرات ومرات برغم خيانته المتجددة بشكل متسارع لأنه لم يكن من صالح الحكم الاسلامي الناشئ في مصر احداث قلاقل داخلها بقتل زعيم الخونة الذين مازالوا منتشرين هناك وسيحدثون ارباكا في عمل هذا الحكم وربما يؤدي الأمر إلى ضياع مصر من أيديهم وهي التي تمثل لهم هدفا استراتيجيا لتحرير القدس صبر صلاح الدين ليس من أجل شاور أو من أجل الظن بأنه يمكن أن يرق قلبه وتنظف سريرته ليختلف حاله ويتحول من خائن إلى مجاهد وإنما صبر لأن صلاح الدين كان يعمل من أجل صالح المسلمين وليس من أجل صالح شاور ، وعندما حان الوقت المناسب للاقتصاص منه فحينها نفذ القصاص بأقل الخسائر التي لم تضع جهود المسلمين في معركة ليست هي المعركة الرئيسية المتمثلة في تحرير القدس وقتال الصليبيين ولو انتقلنا من سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه من أمته لوجدنا سيرة نبي الله تعالى موسى عليه السلام التي اظهرت بجلاء أن الحق سيبقى حقا وأن محاورة الباطل لا تعني منحه صك براءة من رجسه الذي لن يغيره أو يبدله لقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة السامري الخائن لله ولدينه ورسوله ولقومه الذين حرف لهم عقيدتهم وذكر القرآن لنا محاور نبي الله موسى للسامري وسؤاله عن سبب حرفه لدين الله ولم يذكر لنا القرآن الكريم أن مجرد محاورة السامرئ تعني اضفاء الصلاح عليه أو إحسان الظن به أو عدم كشف زيفه وضلاله وخيانته التي لم يتركها لولا ردع نبي الله موسى عليه السلام له وهذا ما يقودنا للخطأ الذي يقع فيه الفريق الثاني الذي يظن ان محاورة فاجر أو خائن أو منحرف تعني وجوب السكوت عن فجوره وانحرافه والأدهى من ذلك الإعتقاد بأن تغيير الأفعى لجلدها يعني انها تمضي في طريق الخير رغبة منها بنوايا صادقة !!الحالة الفتحاوية هي حالة سامرية ليست متغيرة بحسن نوايا أو صحوة ضمير وإنما هي حالة ردعت بصمود حماس وثباتها بعد ان واجهت جميع الحيل والمكايد والدسائس والخيانات الفتحاوية الهادفة لهزيمتها وتحطيمها وعندما فشلت المكيدة الفتحاوية فإنها ذهبت بإتجاه تسعى من خلاله مواجهة الفناء القادم لها طال الزمان أو قصر لتتعلق بقشة تمنحها بعض الوقت ولا تعني نجاتها من الغرق الحتمي لايعني حدوث الحوار ان عباس تخلى عن خيانته أو أن اتفاقه مع حماس سينظف سجله المليء بالخيانات والتفريط والتحقير لجهاد الشعب الفلسطيني ولايعني حدوث الحوار ان عزام الأحمد تخلى عن حقده وكرهه لحماس ولنهج المقاومة أو أنه تخلى عن تطاوله على الذات الالهية أو توقف عن تمني رؤية الأشلاء المجاهدة تمزقها قذائف الطائرات الصهيونية كما تمنى ذلك من قبل بحق القوة التنفيذية ليقوم أسياده الصهاينة بتنفيذ امنيته ثاني يوم بقصف مقرات القوة التنفيذية ! لايعني حدوث الحوار أن فتح تتخلى عن فسادها وإفسادها الذي سيبقى مستمرا حتى بعد حدوث الاتفاق ونجاح الحوار لأن قوم فتح لم يأتوا للحوار بصحوة ضمير ولم ترق قلوبهم لدمعات الأطفال والنساء في غزة ولم يهتز كيانهم لرؤية ما جلبه حلفاؤهم الصهاينة من تدمير للمباني والانسان في غزة وإنما جاءت فتح لحوار عاجز عقب خمسة أيام من العدوان على غزة بعد ان علموا أن زعرانهم في العريش لن يدخلوا غزة التي لم تنهار السلطة الشرعية فيها ولم يحتلها الصهاينة ولم تأتي الدبابة الصهيونية لتقل عباس وفريقه لهناك ولذلك حوار حماس معهم هو حوار نبي الله موسى مع السامري وهو حوار نبي الله صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة ومشركي العرب وهو صبر صلاح الدين على خيانات شاور من أجل صالح المسلمين وليس من أجل صالح فاجر خائن لن يترك خيانته !وفي جانب آخر فإنه يسع الفرد ما لايسع القيادة وهذا بشأن وقف الحملات الإعلامية التي قررتها القيادة المجاهدة التي لها السمع والطاعة والتي لاتعني من خلالها أن يصمت أفرادها أو مناصريها أو الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج عن فضح وتعرية الخونة والعملاء بل إن القيادة الحكيمة لا تتعامل بإرتجالية فكرية كما يظن البعض فهي قد وضعت خطوطا واضحة لهذا الحوار الذي لا تخوضه من اجل الحوار بلا أي معنى وإنما هي تؤكد أنها تذهب من أجل اتفاق وفق ارضية التعاون مع المقاومة ورفض التنسيق الامني ورفض المفاوضات العبثية ورفض تشكيل أي حكومة تخضع لإملاءات غربية تريد سلبنا حقوقنا فالقيادة لا تستجدي أي وحدة ولا ترى الوحدة " مجردة " هي هدف في حد ذاته بل إن الوحدة على الشر والافساد تعد معصية وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين ولابد من محاربتها لأنها ليست وحدة محمودة وإنما هي منبع الشر أما الوحدة التي نعرفها من ديننا هي الوحدة التي تتعاون على الخير حتى لو كان أحد أطرافها لايريد الخير ولكنه مجبر من غير إرادة منه نتيجة عدم مقدرته على مواجهة أهل الحق بعد أن حاول ذلك مرات عديدة وفشل كما هو حال فتح !وفي الختام لابد من الإشارة الى مهزلة أصوات فتحاوية تظن أنها تقتنص هدفا في مرمى حماس بتشويش على حوارها مع الفجرة المنحرفين بإدعاء التساؤل غير البرئ عن كيفية محاورة فتح وقادتها ان كانوا خونة وينسى هؤلاء القوم كلمات كبيرهم عباس خلال عشرين شهرا قبل أن ييأس من القضاء على حماس عندما كان يردد اسطوانته المشروخة بأن لا حوار مع القتلة ولا حوار قبل عودة " شرعيته " لغزة ولا حوار قبل عودة الأوضاع لما كانت عليه " من فلتان وزعرنة فتحاوية " ولا حوار قبل محاكمة " القتلة " وكل ذلك ذهب ادراج الرياح وحاور " القتلة " بعد أن فقد عباس الأمل هو وجماعته في القضاء على حماس الراسخة في ارضها وفي أرواح شعوبها من الخليج الى المحيط
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق