القوى الإقليمية الثلاث الفاعلة في هذه المنطقة (إيران، تركيا وإسرائيل)، تبدو في حرب معلنة ومضمرة على أفريقيا...تركيا استضافت العام الفائت (2008) أول قمة تركية أفريقية بمشاركة رؤساء دول وحكومات أكثر من خمسين دولة...وإيران أعلنت العام ذاته، عاما لتطوير العلاقات الإيرانية الأفريقية كما صرح بذلك منو شهر متكي ومن أديس أبابا، وطهران تسعى في استضافة قمة إيرانية تركية، أو اجتماعا على المستوى الوزاري على الأقل، فيما إسرائيل تمد نفوذها في القارة السوداء كالإخطبوط متشعب الأذرع والعيون.
بين تركيا وإيران، ينحصر التنافس في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافة والاجتماعية، كل طرف يسعى في خطب ود دول القارة، أنقرة خصصت برنامج مساعدات معلن ومعروف وشفاف، فيما طهران لديها شبكة واسعة من البرامج متعددة المستويات والطبقات التي لا نعرف عنها الكثير سوى أنها فاعلة ومؤثرة وتحتية، والمؤكد ثمة بعد مذهبي (وسياسي) مؤثر في درجة تطور علاقة هذه الدولة الأفريقية أو تلك بكل من إيران وتركيا.
إسرائيل التي نظرت وتنظر لأنقرة كرديف استراتيجي، تضع لإيران في المقابل كخطر وجودي، وهي إن كانت مستعدة لـ"النظر بعين العطف" لدور تركيا في القارة السوداء، إلا أنها تتابع بكل القلق تزايد النفوذ الإيراني على مقربة منها ومن الطرق البحرية المؤيدة إلى ميناء إيلات، وتحديدا في الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
في سعيها لاستهداف إيران وتشديد أطواق العزلة حولها، وربما التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية لها قبل الصيف القادم، فتحت الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرا ملف "خطوط تهريب السلاح من إيران إلى غزة" عبر الخليج وباب المندب واليمن وبور سودان، مرورا بالطبع بالعمق المصري وعطفا على صحراء سيناء وصولا إلى القطاع المحاصر وأنفاق التهريب المفضية إليه.
ومن أجل قطع "طريق الحرير" الجديد هذا، شنت طائرات وقطع بحرية إسرائيلية ثلاث غارات على السودان كما تقول المصادر الإسرائيلية، استهدفت (مرتين) شاحنات على مقربة من الحدود السودانية مع مصر، وضربت سفنا صغيرة في ميناء بور سودان أو على مقربة منه.
الروايات الإسرائيلية تتحدث عن دور إيراني رسمي ومنظم في عمليات التهريب، وهي تقول أن السلاح يأتي أولا للحوثيين في اليمن، ومن ثم يواصل طريقه إلى السودان فحماس في قطاع غزة، وإذ ترافقت التسريبات الإسرائيلية مع أحاديث عن كشف شبكة كبيرة لحزب الله في مصر، تزود حماس بالمال والسلاح، فإن الرواية الإسرائيلية تأخذ طابعا دراماتيكيا إقليميا، أكثر "جدية"، وأقرب تناولا.
وتمضي تل أبيب في نسج فصول إضافية لحكاية الخطر الإيراني المتمد لأفريقيا والبحر الأحمر، فتقول أن إيران تحتفظ بقاعدة بحرية لها في ميناء عصب الإيرتيري، وأنها تستخدم هذه القاعدة لتكون على مقربة من إسرائيل إن حصل الاشتباك العسكري بين الدولتين، فضلا عن تهريب السلاح لحلفاء طهران في غزة واليمن والسودان وأفريقيا عموما.
في ظني أن إسرائيل تبالغ عن قصد وغرض، في تصوير الحضور الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر، ولقد علمت من مراجع أوروبية ذات صلة، بأن ما يقال عن قواعد إيرانية في أيرتريا مبالغ به، وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بقواعد في أفريقيا، ومن ضمنها إيرتريا.
الخلاصة تقول، لإيران وجود في أفريقيا والبحر الأحمر، بيد أن إسرائيل معنية بتضخيمه والحديث عن "خطر إيراني" هناك، والهدف "بناء قضية" ضد إيران، ظاهرها التمدد والتغلغل وتهريب السلاح، وباطنها البرنامج النووي الإيراني، وهي مسرحية تبدو واشنطن على دراية بمن كتبها ووضع السيناريو والحوار لها، ولهذا حذر جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من مخاطر "التهور الإسرائيلي" واحتمالات قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وكذلك فعل الجنرال بترايوس من قبل.
ولا شك أن واشنطن تعرف ما في جعبة نتنياهو وحكومته، وأنها تابعت الاجتماعات الثلاثة التي عقدها الرجل منذ تشكيل حكومته للمستويين الأمني والعسكري للاطلاع على خطط الضربة العسكرية لإيران، حيث خرج بمفاجأة من النوع السار على حد قوله، ألا وهي أن تل أبيب أصبحت جاهزة لتنفيذ الضربة العسكرية لإيران عملياتيا، وأن جهوزيتها هذه لا ينقصها سوى القرار السياسي، الذي يحتاج بدوره إلى تهئية وتحضير، وهذا ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية اليوم، من البحر الأحمر والسودان وميناء عصب، وانتهاء بلبنان وغزة وشاحنات السلاح وخلايا إيران النائمة واليقظة في المنطقة.
أما نحن كعرب، فغائبون تماما عن الصورة، فقدنا إيرتريا من قبل، والأرجح أننا سنفقد الصومال وجيبوتي وجزر القمر من بعد، والبحر الأحمر الذي طالما عُدَّ بحيرة عربية، يبدو العرب اليوم، الطرف الأضعف في تقرير مستقبله ومصائره، وجارتنا الإقليمية (القارة السوداء) التي طالما كانت مجالا حيويا لنا، تتحول إلى ساحة لاصطراع قوى إقليمية ودولية، ليس من بينها قوة عربية واحدة، لكأنه كتب علينا أن نكون "شهود زور" هذا العصر، وفي مختلف الأزمات والملفات.
بين تركيا وإيران، ينحصر التنافس في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافة والاجتماعية، كل طرف يسعى في خطب ود دول القارة، أنقرة خصصت برنامج مساعدات معلن ومعروف وشفاف، فيما طهران لديها شبكة واسعة من البرامج متعددة المستويات والطبقات التي لا نعرف عنها الكثير سوى أنها فاعلة ومؤثرة وتحتية، والمؤكد ثمة بعد مذهبي (وسياسي) مؤثر في درجة تطور علاقة هذه الدولة الأفريقية أو تلك بكل من إيران وتركيا.
إسرائيل التي نظرت وتنظر لأنقرة كرديف استراتيجي، تضع لإيران في المقابل كخطر وجودي، وهي إن كانت مستعدة لـ"النظر بعين العطف" لدور تركيا في القارة السوداء، إلا أنها تتابع بكل القلق تزايد النفوذ الإيراني على مقربة منها ومن الطرق البحرية المؤيدة إلى ميناء إيلات، وتحديدا في الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
في سعيها لاستهداف إيران وتشديد أطواق العزلة حولها، وربما التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية لها قبل الصيف القادم، فتحت الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرا ملف "خطوط تهريب السلاح من إيران إلى غزة" عبر الخليج وباب المندب واليمن وبور سودان، مرورا بالطبع بالعمق المصري وعطفا على صحراء سيناء وصولا إلى القطاع المحاصر وأنفاق التهريب المفضية إليه.
ومن أجل قطع "طريق الحرير" الجديد هذا، شنت طائرات وقطع بحرية إسرائيلية ثلاث غارات على السودان كما تقول المصادر الإسرائيلية، استهدفت (مرتين) شاحنات على مقربة من الحدود السودانية مع مصر، وضربت سفنا صغيرة في ميناء بور سودان أو على مقربة منه.
الروايات الإسرائيلية تتحدث عن دور إيراني رسمي ومنظم في عمليات التهريب، وهي تقول أن السلاح يأتي أولا للحوثيين في اليمن، ومن ثم يواصل طريقه إلى السودان فحماس في قطاع غزة، وإذ ترافقت التسريبات الإسرائيلية مع أحاديث عن كشف شبكة كبيرة لحزب الله في مصر، تزود حماس بالمال والسلاح، فإن الرواية الإسرائيلية تأخذ طابعا دراماتيكيا إقليميا، أكثر "جدية"، وأقرب تناولا.
وتمضي تل أبيب في نسج فصول إضافية لحكاية الخطر الإيراني المتمد لأفريقيا والبحر الأحمر، فتقول أن إيران تحتفظ بقاعدة بحرية لها في ميناء عصب الإيرتيري، وأنها تستخدم هذه القاعدة لتكون على مقربة من إسرائيل إن حصل الاشتباك العسكري بين الدولتين، فضلا عن تهريب السلاح لحلفاء طهران في غزة واليمن والسودان وأفريقيا عموما.
في ظني أن إسرائيل تبالغ عن قصد وغرض، في تصوير الحضور الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر، ولقد علمت من مراجع أوروبية ذات صلة، بأن ما يقال عن قواعد إيرانية في أيرتريا مبالغ به، وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بقواعد في أفريقيا، ومن ضمنها إيرتريا.
الخلاصة تقول، لإيران وجود في أفريقيا والبحر الأحمر، بيد أن إسرائيل معنية بتضخيمه والحديث عن "خطر إيراني" هناك، والهدف "بناء قضية" ضد إيران، ظاهرها التمدد والتغلغل وتهريب السلاح، وباطنها البرنامج النووي الإيراني، وهي مسرحية تبدو واشنطن على دراية بمن كتبها ووضع السيناريو والحوار لها، ولهذا حذر جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من مخاطر "التهور الإسرائيلي" واحتمالات قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وكذلك فعل الجنرال بترايوس من قبل.
ولا شك أن واشنطن تعرف ما في جعبة نتنياهو وحكومته، وأنها تابعت الاجتماعات الثلاثة التي عقدها الرجل منذ تشكيل حكومته للمستويين الأمني والعسكري للاطلاع على خطط الضربة العسكرية لإيران، حيث خرج بمفاجأة من النوع السار على حد قوله، ألا وهي أن تل أبيب أصبحت جاهزة لتنفيذ الضربة العسكرية لإيران عملياتيا، وأن جهوزيتها هذه لا ينقصها سوى القرار السياسي، الذي يحتاج بدوره إلى تهئية وتحضير، وهذا ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية اليوم، من البحر الأحمر والسودان وميناء عصب، وانتهاء بلبنان وغزة وشاحنات السلاح وخلايا إيران النائمة واليقظة في المنطقة.
أما نحن كعرب، فغائبون تماما عن الصورة، فقدنا إيرتريا من قبل، والأرجح أننا سنفقد الصومال وجيبوتي وجزر القمر من بعد، والبحر الأحمر الذي طالما عُدَّ بحيرة عربية، يبدو العرب اليوم، الطرف الأضعف في تقرير مستقبله ومصائره، وجارتنا الإقليمية (القارة السوداء) التي طالما كانت مجالا حيويا لنا، تتحول إلى ساحة لاصطراع قوى إقليمية ودولية، ليس من بينها قوة عربية واحدة، لكأنه كتب علينا أن نكون "شهود زور" هذا العصر، وفي مختلف الأزمات والملفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق