قميص غزة على الطراز الفارسي، كان المقال الأكثر طباعة في صحيفة الشرق الأوسط، ولاسيما أن الكاتب محمد أبو شامة قد استعار الدلالة الدينية للفظة قميص، التي ارتبطت بالخليفة عثمان بن عفان في التاريخ الإسلامي، وألصقها بغزة، في إشارة إلى أن سوريا وإيران وحزب الله وحماس، الذين يتباكون على غزة هم قتلتها، وهم آسروها، وهم تجارها، ويصل الكاتب في النهاية إلى أن ما جرى من جريمة صهيونية في غزة، لا تصب إلا في صالح العدو الإيراني، والسوري، وضد فلسطين وشعبها، وضد قيادته التاريخية.
لا أرد دفاعاً عن إيران، وإنما وددت الإشارة إلى أن غزة التي تحاصر محاصريها قد فرضت نفسها رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه، وقميصها ما زال فلسطينياً وعربياً ينطق بالضاد، وإسلامياً على المذهب السني، بينما الضفة الغربية المحتلة مباشرة من (إسرائيل)، وقد نسيها الجميع، لأنهم ألبسوها قميص نوم المفاوض، لتمسي أرضها نهباً للمستوطنين اليهود، وتصير مدنها مستباحة، وشوارعها تقطعها الحواجز الإسرائيلية، وهي محط أحلام وأطماع المستوطنين الصهاينة، وما زالت على سرير التفاوض تنتظر أن تمن عليها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، أو الحكومات الإسرائيلية بكلمة مجاملة أو لمسة حنان، تكفل لها سبل العيش، ولكن دون جدوى! ليغدو الأكثر نفعاً للفلسطينيين والعرب؛ أن تلبس الضفة الغربية قميص غزة المقاوم.
إن محاولة الربط بين غزة والجنوب اللبناني من جهة وبين "إيران" هي محاولة للتنصل من فكرة المقاومة، والتقليل من سحرها وتأثيرها على الشعوب، بل ومحاربتها باعتبارها عملاً مستنكراً، مرفوضاً، ومن هنا كان انصباب حبر بعض الأقلام على أن غزة لم تنتصر، وأن الجيش الصهيوني قد شق بطنها، ولم تقاوم غاصبها، والهدف من ذلك؛ رفع العتب عن عدم رفع راية المقاومة، بديلاً عن راية المفاوضات، ومن ثم المفاوضات، وثم المفاوضات حتى تبسط (إسرائيل) يد مستوطنيها على الضفة الغربية، بعد أن ضيقت على سكانها حياتهم، بينما تخرج غزة من الغرق في البحر الذي تمناه لها أعداؤها، لتمثل اليوم قلعة الصمود، وإذا كان قد تلاقى صمود غزة مع المصالح الإيرانية، فإن الخلل ليس في غزة التي عبرت المسافات، تفتش عن أكسير البقاء، وإنما الخلل في من غلّق على الشعب الفلسطيني كل طرق المقاومة والتحرير، وأبقى على طريق اللقاءات والمفاوضات الثنائية إلى الأبد.
إن الذي يتباكى على أهل غزة وعلى حال سكانها، هو الذي ينسج لأهل فلسطين قميصاً على الطراز الصهيوني بزعامة المتطرف "ليبرمان" الذي وقع اتفاقاً مع "نتنياهو" على إزالة حماس من الوجود، كشرط لانضمامه إلى الحكومة، وهو الذي يعرف أن عدوه الحقيقي في المنطقة هي حركات المقاومة بشكل عام، بغض النظر؛ أكانت إسلامية باسم حركة حماس والجهاد الإسلامي، أو وطنية باسم حركة فتح، أو قومية تحت أي اسم كان.
ويا حبذا لو استطاعت أنامل القادة الفلسطينيين والعرب أن تنسج لأهل غزة قميص كرامة، وكبرياء على الطراز العربي، لئلا تنكشف عورة غزة العزة دون قميص.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق