أشار مؤخرا تقرير أممي صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الى أن 80 % من الشباب الفلسطيني يشعر بالبؤس والاكتئاب وان أكثر من 54 % منهم لا يشعر بالأمان والاستقرار.وسبق أن وصفت التقارير والأبحاث التنموية المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فتي، حيث أن نسبة الشباب عالية جدا، وقد وضعت برامجا وخططا لاستغلال هذه الثروة البشرية من الشباب في مجالات التنمية والمشاركة على أساس أن تطوير المجتمع يتم من خلال دعم الشباب وبناء مستقبل واعد لهم.وبرغم كثافة الندوات و ورشات العمل والبرامج التي قامت بها مؤسسات أهلية ورسمية لإزالة البؤس والقلق من نفوس الشباب الفلسطيني وتوفير الفرص لهم، فإن نسبة هذا البؤس لا زالت عالية وعدد المهاجرين يرتفع، وكذلك فإن نسبة البطالة في صفوف الشباب كبيرة حيث وصلت إل 35 % في الضفة و51 % في قطاع غزة.إن هذا المسح الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي له مؤشرات اجتماعية ونفسية وسياسية مختلفة، وفي هذا الصدد تذكرت ما قاله وزير الصحة الدكتور فتحي أبو مغلي بأن مليون فلسطيني كل عام يراجعون العيادات النفسية.المجتمع الفلسطيني أصبح مجتمعا مشوها، واعتقد انه لا يوجد مجتمع في العالم تعرض للتدمير الذاتي الاجتماعي والنفسي كما جرى للشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال والصراع الذي طال أمده وامتد و تعمق حتى تحول الى شعب غير عادي.ولم تنجح كل الوسائل الإجرائية والشكلية في إنقاذ الشعب الفلسطيني من أعراض الاحتلال سواء الحل الاقتصادي أو الحل الديمقراطي لأنها لم توفر الحرية والاستقلال لهذا الشعب كي يعيش بكرامة كغيره من شعوب البشر.من الطبيعي أن تكون نسبة اليأس والبؤس عاليتين في وسط الشباب الفلسطيني عندما تتمحور الحياة الفلسطينية في مسيرة كلها جنازات ومشاهد دماء ومجازر واعتقالات بالعشرات وتنكيل واعتداءات أمام الحواجز العسكرية الكثيرة.ومن الطبيعي أن يكون المشهد اليومي قاسيا في ظل الحصار والإغلاق وانعدام فرص العمل والقدرة على مواصلة التعليم في ظل استعمار استيطاني متسارع يأكل الأرض والطبيعة والبيئة ويبتلع الشجر والماء والفصول الأربعة.نحن مكتئبون لأننا نفتقد الى الحرية، ولأن العالم لم يعط مساحة لأنسانية وحقوق الشعب الفلسطيني كي يثبت جدارته ويبني حياته الطبيعية على أرضه بسبب غياب العدالة.نحن مكتئبون لأن كل الأخبار والأنباء التي تتعلق بنا مأساوية ، وما يجري حولنا وفي حاراتنا و في بيوتنا ذو رائحة مفجعة تسبب التوتر وتطلق كل أسئلة الخوف والقلق من غد لا يعرف أحد كيف يكون.نحن مكتئبون عندما يعلن مركز الإحصاء الفلسطيني عن أكثر من 4000 وحدة استيطانية تم إنشاؤها بعد مؤتمر انابولس وانه تم هدم أكثر من 90 منزلا وتدمير 8 آلاف شجرة.لم تستطع اللجنة الرباعية أن تحسن شروط حياة الفلسطينيين في معازلهم المغلقة، ولم تستطع أن تكبح جماح المجازر الدموية في قطاع غزة، وتوقف سفك الدماء بحق النساء والأطفال في تلك الحرب الخالية من الرحمة.نحن مكتئبون لأن أسرانا دخلوا موسوعة جينيس العالمية بعد أن بلغ عدد الذين تجاوزوا ربع قرن في الاعتقال 23 أسيرا، وينطفئون كل عام و يزدحمون في ليل الزنازين في انتظار قمر السلام.نحن مكتئبون جدا أمام الانقسام السياسي الجغرافي بين الضفة وغزة الذي تحول الى أمر واقع وأصبحت المصالح الحزبية والمذهبية على حساب الوحدة الوطنية والتحرر من الاحتلال.نحن مكتئبون بعد أن قرأنا التقرير الأسود للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الذي يقول بأن نظامنا السياسي يتجه نحو النظام البوليسي نتيجة انتهاكات كثيرة للحريات وحقوق الإنسان وتقصير في الأداء الإداري والقضائي.نحن مكتئبون لأننا الشعب الوحيد المحتل الذي رفع شعار التعايش والسلام كخيار استراتيجي ليرد علينا الشعب الإسرائيلي بحكومة متطرفة لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بحقوقنا السياسية المشروعة.نحن مكتئبون عندما قرأنا استطلاع مؤسسة( فافو) التي وجدت أن شعبية المجتمع الدولي والقيادات الوطنية منخفضة، حيث فقد الفلسطينيون ثقتهم في مقدرة المجتمع الدولي على المساهمة في الوصول الى سلام قادر على إنهاء الصراع لأن إسرائيل دولة فوق الشرعية والقانون.الاكتئاب حالة سياسية مركبة ومنهج مدروس يقود الى إيصال الشعب الفلسطيني الى تقبل الواقع الراهن والتعايش مع القمع و الاحتلال والتكيّف مع عذاباته ومعاناته اليومية حتى يصل الى مرحلة الاستسلام.تقول حركة التاريخ عندما يغيب العلاج وتتشوش الرؤيا فإن البؤساء والمكتئبين والمعذبين سوف يثورون على أنفسهم وعلى غيرهم ويشعلون النار في كل مكان. المكتئبون سيهتفون مع محمود درويش:
لا نريد أن نكون أبطالا أكثر
ولا نريد أن نكون ضحايا أكثر
نريد أن نكون بشرا عاديين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق