حتى الآن، يمكن رصد نقاط التماس الرئيسة التالية في العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، وهي نقاط ستسيطر على جدول أعمال القمة الأمريكية - الإسرائيلية في واشنطن في الثامن عشر من الجاري :
• الحل النهائي: "دولتان لشعبين" من المنظور الأمريكي و"حكم ذاتي" من وجهة نظر نتنياهو...مفاوضات حثيثة وفق جدول زمني تنتهي إلى تجسيد الحل النهائي وفقا للإدارة، و"سلام اقتصادي" متبوع بدور أمني أردني – فلسطيني برعاية أمريكية، قد ينتهي إلى قيام "كيان فلسطيني" في المدى المتوسط، على نصف الضفة الغربية وفقا لنتنياهو و"خريطة المصالح" التي وضعها عام 1988.
• الاستيطان، بؤرا وتوسعة: الإدارة الحالية أكثر جدية من سابقاتها في التشديد على ضرورة وقف الاستيطان وإزالة بؤره العشوائية، فيما الحكومة الإسرائيلية الحالية تبدو أكثر "لهفة" من سابقاتها على التوسع الاستيطاني وتهويد القدس.
• "التهديد الإيراني": واشنطن تعتقد أن حل القضية الفلسطينية يساعد على تبديد هذا التهديد وتحييده، فيما إسرائيل ترى أن إزالة هذا التهديد يعد شرطا مسبقا للتقدم على طريق حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
• واشطن تلمح إلى استعدادها تبني شعار "شرق أوسط خال من الأسلحة النووية"، وتطلب إلى إسرائيل علنا وفي خطوة نادرة، التوقيع على معاهدة عدم الانتشار، وتل أبيب تشكو مساواة مفاعل ديمونا بمفاعل ناتنز أو مقايضة يتسهار ببوشهر.
• واشنطن تتجه لتقليص التعاون السياسي/الأمني مع الدولة العبرية (أو تلمح إلى ذلك)، وتبعث برسائل مبطنة حول مسألة المساعدات، فيما تل أبيب تشكو من احتمال فقدانها وضعية "الدولة الخاصة الأولى بالرعاية الأمريكية" إذا ما استمر الحال على هذا المنوال.
والحقيقة أن من يقرأ الأرث السياسي القديم/الجديد لنتنياهو والليكود يخلص إلى تحديد الكيفية التي ستدير فيها حكومة نتنياهو خلافاتها مع إدارة أوباما، ومضامين الردود التي سيتقدمها حيال مختلف الاستحقاقات التي تقرع أبواب المنطقة، والأرجح أن المواقف والسياسات الإسرائيلية ستبقى في الإطار التالي:
أولا: إسرائيل ستظل تعطي المواجهة مع إيران، الأولوية القصوى في المرحلة المقبلة، وهي إذ تقبل مضطرة للتعامل مع المقاربة الأمريكية الجديدة حيال إيران، فإنها تضع لذلك سقوفا زمنية تقاس بالأشهر (3 أشهر وفقا لليبرمان) وليس بالسنوات، وهي ماضية في استعداداتها اللوجستية لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
ثانيا: إسرائيل مرتاحة جدا لقيام بعض العواصم العربية (القاهرة والرياض تحديدا) بإثارة ملف "التهديد الإيراني" على أوسع نطاق، وهي تستغل هذه المواقف في مسعى منها لبناء موقف مشترك مع "معسكر الاعتدال" ضد إيران، نتنياهو يقول لأول مرة في التاريخ هناك عدو مشترك للعرب واليهود ومصلحة مشتركة في مواجهته، يقصد إيران، وهو يهدف من وراء ذلك، إحراج الموقف الأمريكي، وإظهاره كموقف متنكر لمصالح أصدقاء واشنطن وحلفائها عربا وإسرائيليين.
ثالثا: إسرائيل ستعاود اللجوء إلى "لعبة سباق المسارات": ستقول المسار السوري أولا، دون إبداء الاستعداد للانسحاب عن هضبة الجولان المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران، ستقول نعم للتقدم على المسار الفلسطيني، ولكن في سياق كيان وحكم ذاتي أولا، وليس دولة مستقبلة وقابلة للحياة، لا عودة لخطوط الرابع من حزيران لا عودة للقدس الشرقية لا عودة للاجئين، لا تخلي عن "السيطرة" على وادي الأردن، ستقدم حكومة نتنياهو على حركات دراماتيكية من نوع تسليم مدن الكثافة السكانية للسلطة، من نوع تخفيف القيود في الضفة، لكن لن يكون لها قول نهائي وكلمة فصل حيال المستقبل والحل النهائي.
رابعا: إسرائيل سترحب من دون حماس ظاهر، بأي تعديل يدخله العرب على مبادرتهم السلمية يخففها من "الحمولة الزائدة" في البند الخاص باللاجئين وحقهم في العودة، سترحب بالتطبيع غير المشروط، ولكنها سترجئ حتى آخر لحظة (إن كان هناك خط نهاية للمناورات الإسرائيلية) القبول بصفقة شاملة تنهي بموجبها الاحتلال للضفة والقدس والجولان ومزارع شبعا مقابل سلام شامل وتطبيع كامل مع 57 دولة عربية وإسلامية (بالمناسبة حكومة نتنياهو لا يثيرها كثيرا هذا الرقم).
خامسا: ستكون هناك لحظات مواجهة صعبة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، نتنياهو سيسعى لجعلها محدودة في موضوعاتها وآجالها وتداعياتها، ليبقى السؤال حول قدرة أوباما على ممارسة ضغط جدي على إسرائيل يظل قائما، حتى بوجود "تنازلات" عربية وفلسطينية مغرية، كما أن السؤال حول قدرة إسرائيل على تحمل ضغوط أمريكية سيظل مطروحا.
في هذا السياق، فإن أسئلة جوهرية ينبغي أن تظل حاضرة بقوة في أذهاننا عربا وفلسطينيين، خصوصا مع اشتداد حاجة تل أبيب لمخارج ومنافذ لأزمة خياراتها وبدائلها، أسئلة وتساؤلات من نوع: هل ستقدم إسرائيل على عملية خلط أوراق واسعة تبعد عن فمها "كأس إنهاء الاحتلال"؟...كيف وأين، هل سيكون ذلك بتوجيه ضربة لإيران، وإن حصل ما الذي سيترتب على مقامرة من هذا النوع؟...هل تتحرش بحزب الله أو حماس، هل يمكن أن تكون هناك عملية عسكرية واسعة في غزة بذريعة "تحرير شاليط" أو ردا على "خرق فلسطيني" حقيقي أو مزعوم؟...هل تنفذ إسرائيل اغتيالا كبيرا لمسؤول في حزب الله أو زعيم في حماس لإدخال المنطقة في دوامة جديدة، خصوصا مع تواتر الأوامر لشبكاتها التجسسية في لبنان بالاستعداد لتنفيذ عمليات ميدانية ضد المقاومة، كما كشف أمس اللواء أشرف ريفي، أسئلة تطرح بقوة، ولن يعرف لها جواب قبل نهاية حزيران/ يونيو القادم.
10-5-2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق