بدت الساحة السياسية الباكستانية تشهد بعض التطورات الجديدة التي اعتبرها المراقبون تمثل مؤشراً يفيد لجهة بروز ظاهرة الانقلابات السياسية فالحركات الإسلامية المسلحة تقوم حالياً بتنفيذ مخطط للاستيلاء على المدن والمحافظات والمقاطعات والمحليات الباكستانية.
* واشنطن وإشكالية "الرمال المتحركة" الباكستانية:
تعاني الساحة السياسية الباكستانية من ظاهرة انقسام جهوي ثلاثي على الخطوط الثلاثة:
• المنطقة الشمالية: تتضمن ثلاثة مناطق فرعية هي منطقة القبائل منطقة بلوشستان – المحافظة الشمالية الغربية.
• المنطقة الوسطى: تتضمن المحافظات الباكستانية الموجودة حول العاصمة ومناطق وسط باكستان.
• المنطقة الجنوبية: تتضمن منطقة إقليم جامور – كشمير المتنازع عليه مع الهند والصين.
المنطقة الشمالية بفروعها الثلاثة تقع بالكامل تحت سيطرة الحركات المسلحة الأصولية الإسلامية فمنطقة القبائل تأخذ سيطرة الجماعة المسلحة الأصولية الإسلامية فيها طابعاً دستورياً لأن الدستور الباكستاني منح قبائل الباشتون المسيطرة في المنطقة الحكم الذاتي وبالفعل ظلت هذه المناطق منذ نهاية أربعينات القرن الماضي تخضع لنظام حكم إسلامي ضمن إمارات إسلامية يتولى السلطة فيها أمير إسلامي خاص بكل إمارة من إماراتها السبعة أما بالنسبة لمنطقة بلوشستان فهي تقع ضمن سيطرة الجماعات الأصولية السنية المسلحة التي تتعاون في توجهاتها والتي وإن كانت تعادي إيران فهي تعادي باكستان أيضاً لجهة النزعات الانفصالية المسيطرة فيها.وبالنسبة للمنطقة الشمالية الغربية فقد أصبحت خلال العامين الماضيين تحت سيطرة الجماعات الأصولية الإسلامية المسلحة ذات الروابط القوية مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان.خلال فترة الصراع ضد نظام الجنرال برويز مشرف نشأت التحالفات والروابط بين الجماعات الإسلامية المسلحة في المناطق الثلاثة وذلك على النحو الذي أدى إلى ظهور حركة طالبان الباكستانية والتي أكدت على تركيز عملياتها العسكرية في المسرح الباكستاني بشكل يحقق التآزر والمساندة مع عمليات حركة طالبان الأفغانية الجارية في المسرح الأفغاني.هكذا أصبح المسرح الأفغاني والمسرح الباكستاني يشكلان من الناحية العملياتية مسرحاً واحداً لحركة طالبان الأفغانية التي يقودها الأفغاني الباشتوني الملا محمد عمر، وحركة طالبان الباكستانية التي يقودها الباكستاني الباشتوني الملا بيت الله محسود. وقد برزت المساندة العملياتية خلال الأشهر الماضية ففي الوقت الذي كانت فيه حركة طالبان تشن عملياتها في أفغانستان ضد قوات الناتو وقوات الحكومة الأفغانية الحليف لواشنطن كانت حركة طالبان الباكستانية تشن عملياتها ضد خطوط إمدادات حلف الناتو في باكستان وقوات الحكومة الباكستانية الحليفة لواشنطن.
* التطورات العملياتية الأخيرة: إلى أين؟
سعت واشنطن إلى استبدال خطوط الإمداد بحيث تتم عمليات الإمداد عبر دول آسيا الوسطى مع احتمالات إقناع الصين وإيران بتقديم المساعدة وفي هذا الوقت بدأت عمليات حركة طالبان الباكستانية تأخذ طابعاً جديداً تمثل معالمه وخطوطه العامة في الآتي:
• الاستيلاء على بعض المقاطعات بالقوة العسكرية وإعلان إقامة نظام الحكم الإسلامي.
• تحقيق المزيد من التغلغل والاختراق داخل صفوف الجيش الباكستاني (الذي ينتمي معظم جنوده إلى قبائل الباشتون) وأيضاً في صفوف جهاز المخابرات الباكستانية الذي تقول المعلومات والتسريبات أنه أصبح من أبرز معاقل حركة طالبان الباكستانية وتنظيم القاعدة.
• السعي لإقناع الحركات الأصولية الإسلامية الموجودة في المحافظات الباكستانية الأخرى لجهة القيام بإشعال عمليات التمرد الإسلامي المسلح والانقضاض على السلطة في الأقاليم والمحافظات والمدن الرئيسية والتحالف مع حركة طالبان الباكستانية وغيرها وإعلان النظام الإسلامي.
آخر المعلومات تقول أن حركة طالبان الباكستانية نجحت في السيطرة على منطقة بوتير ومنطقة سوات وإعلان النظام الإسلامي فيها بعد إخراج القوات الباكستانية، وتشير التوقعات إلى أن الساحة الباكستانية ستشهد المزيد من سقوط المحافظات والمدن والمناطق وقيام سيناريو حكومات الخلافة الإسلامية على يد زعماء "طالبان الباكستانية".*
محور واشنطن – نيودلهي – تل أبيب:
سيناريو رد الفعل المحتمل:تقول المعلومات والتسريبات أن مجموعة من خبراء مثلث واشنطن – نيودلهي - تل أبيب يقومون حالياً بعمليات ضبط وتقويم سيناريوهات رد الفعل الممكن القيام به في حالة تفاقم أزمة الرمال المتحركة الأصولية الإسلامية الباكستانية.وتقول المعلومات أن أبرز الأهداف سيتمثل في الآتي:
• تأمين ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية بحيث تكون في مأمن عن أيدي الجماعات الأصولية.
• تأمين عدم حدوث أي تحالف بين الجماعات الكشميرية والهندية مثل عسكر طيبة، عسكر الجبار وغيرها تفادياً للإضرار بالأمن القومي الهندي خاصة وأن احتمالات انتقال عدوى الجماعات الأصولية المسلحة إلى داخل الهند أصبحت شبه مؤكدة بعد انفجارات مومباي الأخيرة.
• تأمين التفاهم مع الصين وروسيا وربما إيران على أساس اعتبارات أن سيطرة طالبان الباكستانية على باكستان سيؤدي إلى عودة سيطرة طالبان الأفغانية على أفغانستان بما سيترتب عليه قيام دولة "طالبانستان" في المنطقة التي ستؤدي إلى حدوث زلزال أصولي إسلامي في المنطقة والعالم.
المحافظات الباكستانية التي أصبحت مرشحة للسقوط في أيدي حركة طالبان الباكستانية هي محافظات هاريبور – مانسيهرا – ماردان. وتقول التحليلات أن سقوط هذه المحافظات ستكون تداعياته على مستقبل دولة باكستان لأن سيطرة طالبان على هذه المحافظات سيترتب عليها السيطرة على طريق كاراكوران الشريان الحيوي الرئيسي لإمدادات الاقتصاد الباكستانية.
تقول المعلومات أن واشنطن تبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لاستخدام الوساطة السعودية والخليجية للتفاهم مع طالبان ودفعها للمصالحة مع النظام الباكستاني وحركة طالبان الأفغانية مع النظام الأفغاني. وفي الوقت نفسه تسعى واشنطن إلى إقناع الهند بضرورة التدخل في أفغانستان إلى جانب القوات الأمريكية وقوات الناتو ولكن ما يؤجل استجابة الهند يتمثل في:
• ضمان تأييد الصين لتدخل الهند في أفغانستان لأن الصين هددت بالتدخل في باكستان لموازنة التدخل الهندي في أفغانستان.
• انتهاء الانتخابات العامة الهندية التي بدأت قبل بضعة أيام بما يتيح حسم المسألة داخل البرلمان الهندي الجديد.مع ذلك، يبقى السؤال متمثلاً في أن القضاء على حركة طالبان الأفغانية والباكستانية لا بد أن يتم على يد الأفغان والباكستانيين ولن يتحرك لا الباكستانيون ولا الأفغان للقيام بذلك إلا إذا خرجت القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان لأن حركة طالبان الأفغانية والباكستانية وجدت الدعم والمساندة بواسطة السكان المحليين المعارضين للوجود الأمريكي وبالتالي إذا خرجت القوات الأمريكية فإن الصراع سيتحول إلى صراع داخلي أفغاني – أفغاني وباكستاني – باكستاني للسيطرة على السلطة تماماً كما حدث في الحرب الأفغانية – الأفغانية التي اندلعت بعد خروج القوات السوفيتية من أفغانستان فهل ستخرج أمريكا أم ستقع الأسلحة النووية الباكستانية في يد طالبان!؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق