أراد أن يثبت لي أننا قرود، أخذني من يدي إلى خارج غرفة التحقيق، وراح يرفع الكيس الأسود الذي يغطي رأس كل سجين، ويقول لي: انظر؛ هل هذا منظر إنسان؟ ورفع الكيس عن رأس السجين الثاني، وقال: انظر؛ أليس هذا قرداً؟ نظرت في وجه أكثر من سجين وأنا مندهشٌ، للسجناء تحت التعذيب أشكال مخيفة لا تمت إلى العصر الحديث، ولهم رائحة من لم يرتش بالماء لأسابيع، وقد قصوا شعر رأسه، وتركوا شعر لحيته يختلط بشاربيه، وينمو بلا حساب، وحرموه من النوم، والطعام، شاهدت منظراً للإنسان الفزع المرتبك، المنبهر من الضوء المفاجئ بعد عتمة، والمتوقع للتعذيب الذي تظهر كدماته على الوجه، لم يكن منظراً جميلاً رؤية السجناء على هذه الشاكلة، هزني المشهد، وأنا أحاول تفسير السبب، ولكنه لم يستمع لما قلت، وإنما قادني السجان إلى المرآة، وقال: انظر في نفسك، ألست قرداً؟
لم أصدق في البداية، لا يمكن أن يكون هذا هو أنا، لقد رأيت نفسي في المرآة قبل شهرين من التعذيب، لم أكن كهذا، هذا الوجه الذي أمامي في المرآة ليس لي، إنه يظهر على هيئة قرد مقيدٍ بالسلاسل التي يمسك فيها المحقق اليهودي الوسيم الحليق الذي يلبس فاخر الثياب، وتفوح منه رائحة العطر، ويبدو على هيئة إنسان يبتسم للحياة!!
قناعة اليهودي السجان الذي يمارس التعذيب ضد الفلسطينيين بأنهم قرود لا تشوبها شائبة، ومن هنا تجيء رؤية اليهودي في إسرائيل للفلسطينيين بشكل عام، فهم قرود، أو حيوانات خلقها الله على هيئة بشر احتراماً لمشاعر اليهود كما يقول كتاب التلمود، أو هم حشرات في زجاجة كما قال يوماً: "رفائيل إيتان" رئيس الأركان السابق.
من لا يرى الآخر على هيئة البشر، يتشكك بحقوقه المدنية، والحياتية، وينكر عليه حقوقه التاريخية، لتأتي نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة منسجمة مع نفسيه اليهودي المغتصب لفلسطين، ومعبرة عن وجدان لا يبصر أولئك الملايين من العرب الذين يتحركون في قطاع غزة، والضفة الغربية، وداخل إسرائيل ذاتها، وليس مهماً أن يتعادل عددهم مع اليهود سنة 2016، كما ذكر مركز الإحصاء، المهم كيفية رؤية هذا العدد، والاعتراف بوجوده الإنساني شرطاً سابقاً للاعتراف بحقوقه السياسية.
أمام هذه النظرة اليهودية المحتقرة للعرب بشكل عام، يجيء تحقير الفلسطيني لإنسانية الفلسطيني، وسجن الفلسطيني للفلسطيني، والاستهانة بحقوقه في التعبير عن رأيه، وشرح قناعاته السياسية، ومقاومته للاحتلال، كل ذلك يجئ منسجماً مع تحديقنا في المرآة الإسرائيلية، ورؤية بعضنا على الهيئة التي أراد لنا اليهودي أن نرى فيها أنفسنا.
* كاتب فلسطيني يقيم في قطاع غزة - fayez@palnet.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق