حتى اللحظة لا يزال الجدل محتدما حول موعد ومكان انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح، لا سيما بعد رفض معظم أعضاء اللجنة المركزية قرار الرئيس الفلسطيني-منتهي الولاية- عقده في الأراضي المحتلة مطلع تموز المقبل ، فضلا عن عدم حسم عدد وهوية الأعضاء المشاركين في المؤتمر.
والحال أن تطاول العمر على مؤتمر الحركة (عقد الخامس عام 88) في ظل استفراد الشهيد ياسر عرفات بها وبمنظمة التحرير قد جعل تفاصيل دورته الجديدة مسألة تخضع لموازين القوى في الحركة أكثر من خضوعها لأية لوائح أو قوانين واضحة تحدد عدد الأعضاء ومسمياتهم وأدوارهم ، بينما يعلم الجميع أن ميزان القوى الداخلي في الحركة هو انعكاس لتدخلات قوىً كثيرة في اللعبة ، بعضها عربي وبعضها إسرائيلي وأمريكي ، بل وغربي من كل لون أيضا.
ليست هذه مبالغة ، فنحن إزاء حركة ينتمي أكثر أعضائها إلى قطاع الموظفين المتفرغين الذين يتأثرون بحركة المال والسلطة ، ما يعني أن الأقوى على هذا الصعيد هو الأكثر تأثيرا على حراكها الداخلي ، بدليل تأثير سلام فياض عليها خلال الأعوام الأخيرة رغم أنه ليس عضوا فيها.
يحدث ذلك في وقت يعلم الجميع عناوين من يملكون عشرات الملايين ، بل ومئات الملايين ، أكانوا ممن استثمروا في أموال الثورة وسرقوها ، أم كانوا من الذين تخصص لهم الموازنات من الجهات الخارجية ، الأمريكية على وجه الخصوص ، أما الشرفاء فلا يملكون غير مخصصاتهم ، إضافة إلى بعض المساعدات التي تصرف بتوقيع القيادة ، وهذه الأخيرة ، بل حتى الأولى في بعض الأحيان لا تحظى بالتوقيع إلا في حال الرضا عن التوجهات والخط السياسي (لم يكن عرفات يتدخل حتى في رواتب الذين ينشقون عليه ، بل يكتفي بوقف المساعدات الأخرى حتى يعود الطائر إلى سربه،،).
ليس من الصعب القول إن الاحتلال هو أحد الأطراف المؤثرة في اللعبة أيضا: هو الذي يمنح بطاقات "الفي آي بي" ، وبيده قرارات الدخول إلى الأراضي المحتلة والخروج منها ، وبالطبع في ظل إقامة أكثر كوادر الحركة الفاعلة في الداخل بعد أوسلو ، أكانوا من العسكريين أم من السياسيين ، الأمر الذي يجعل الثورية موقفا مكلفا إلى حد كبير ، وما جرى لحسام خضر ، النائب عن فتح وآخرين من أمثاله دليل على أن للاحتلال سقف احتمال لثورية الفتحاوي.
لقد بات واضحا أن المعركة الدائرة منذ عامين لم تحسم لصالح طرف بعينه ، بينما يشكل قرار عقد المؤتمر في الداخل محاولة للسيطرة على مجرياته ، لأن الجميع يعلم أن قطاعا من المعارضين إن جاز التعبير لا يدخلون إلى رام الله ، حتى لو لم يشكلوا ثقلا من زاوية العدد.
المعركة الدائرة ليست هامشية بحال ، والسبب أنها معركة على هوية الحركة ، ومن ثم على مسار القضية الفلسطينية برمتها ، وإذا ما قدر للطرف الذي يمسك بتلابيب السلطة أن يسيطر عليها ، فسيعني ذلك نهاية فتح كحركة تحرر وطني وتأكيدا للواقع الذي أسفر عنه أوسلو ممثلا في تحولها إلى حزب سلطة ، مع العلم أن سنوات انتفاضة الأقصى الثلاث الأولى كانت فاصلة بين مرحلتين حاول من خلالها عرفات الجمع بين الحالتين ، أي البقاء كحزب سلطة مع ممارسة ما تيسر من المقاومة للضغط من أجل تحسين شروط التفاوض ، وهي المعادلة التي دفعت شارون إلى قتله.
نعم ، إذا سيطر فريق رفض العسكرة (المقاومة) والوفاء لبرنامج السلطة بطبعتها الأخيرة (خريطة الطريق وبرنامج دايتون) ، فستنتهي فتح حزب سلطة لا صلة له بحركات التحرر ، وبالطبع في سياق اعتراف بأن الدولة قائمة وأن الخلاف مع المحتلين يتعلق ببعض تفاصيلها لا أكثر.
من هنا ، فنحن إزاء معركة بالغة الأهمية للشعب الفلسطيني ولسائر المعنيين بالصراع مع المشروع الصهيوني ، مع أن حسمها من قبل الطرف المشار إليه لن يعني حسما لمسيرة الصراع الذي سيبقى قائما بوجود شعب عظيم وقوىً تصر على برنامج المقاومة حتى التحرير الحقيقي.
يبقى سؤال لا يقل أهمية يتعلق بالرافضين للخط المشار إليه في حال سيطر على الحركة ، هل سيبقون فيها أم سيكون لها شأن آخر؟ هذا ما ستجيب عليه المرحلة المقبلة إذا عقد المؤتمر بالفعل ولم يبق الحال على ما هو عليه.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق