بعد أكثر من شهر بقليل، في 7 حزيران ستقع لمنظمة حزب الله فرصة نادرة لتوسيع سيطرتها على السياسة اللبنانية لدرجة املاء تشكيل الحكومة القادمة في بيروت وسلم اولوياتها. وتضع الانتخابات للبرلمان اللبناني ايران وفرعها الشيعي اللبناني، في موقف انطلاق كامن. ليست بعد جمهورية اسلامية في لبنان، مثلما حلم آية الله الخميني وخلفائه، ولكن بالتأكيد تعزيز كبير لرأس الجسر الايراني هناك، بعد النجاح الذي حققته حماس في السيطرة على قطاع غزة قبل نحو سنتين.
في كتابه الجديد "لبنان – دم في الارز"، يصف البروفيسور ايال زيسر، رئيس مركز دايان في جامعة تل أبيب، القرار المصيري الذي اتخذه حزب الله في العام 1992 للمشاركة في الانتخابات للبرلمان اللبناني. ورأى محللون مختلفون في التنافس في الانتخابات ذروة عملية "انفتاح" حزب الله على المجتمع اللبناني.
وكتب زيسر يقول ان "اولئك الذين يسارعون بالترحيب بالثورة التي اجتازها حزب الله، يجدر بنا ان نذكرهم بانه بالقدر الذي تصبح فيه هذه المنظمة قوة رائدة في لبنان، فان من شأنها أن تسعى الى احلال تغيير وجه هذه الدولة من الاساس – سواء من خلال الكفاح العنيف ام من خلال الكفاح السياسي الذي يدار باساليب ناعمة ويحسم في الانتخابات. وبتعبير آخر، يحتمل جدا أن تكون مسيرة "اللبننة" التي اجتازتها ظاهرا المنظمة، لا تعني في نهاية اليوم تحول منظمة حزب الله الى منظمة لبنانية بكل معنى الكلمة، بل تعني ان تكون العكس تماما – سيطرة المنظمة على لبنان بطريقة "لبنانية"".
ومع أنهم في القدس لا يكثرون من البحث الان في مستقبل العلاقات مع لبنان، الا ان اسرائيل قد تجد نفسها امام واقع امني وسياسي جديد على حدودها الشمالية بعد 7 حزيران. الانتخابات للبرلمان اللبناني هي حدث هام في المواجهة المتصاعدة بين المعتدلين والمتطرفين في العالم العربي والاسلامي. في لبنان سيقف حزب الله وحلفاؤه السياسيين امام الائتلاف الحالي، المعتدل، برئاسة سعد الدين الحريري، نجل رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، الذي قتل قبل اكثر من أربع سنوات. في المعسكر المعتدل يوجد ايضا رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة الذي يتمتع باسناد من الولايات المتحدة، فرنسا والدول السنية وعلى راسها السعودية. نجاح حزب الله في الانتخابات يبدو في هذه اللحظة كسيناريو محتمل بالتأكيد، ولكنه ينطوي ايضا على تعقيدات عديدة للمنظمة وبقدر ما فضائل معينة لاسرائيل.
المال – السلطة
في الاسبوع الماضي، تحدثت "نيويورك تايمز" عن أن حملة الانتخابات الحالية للبرلمان اللبناني تلوح كاحدى الحملات الاكثر كلفة في تاريخ الشرق الاوسط. حسب الصحيفة، ينصب على الدولة مئات ملايين الدولارات الرامية الى شراء الاصوات التي ستدخل الى البرلمان مرشحين مريحين للكتل المختلفة في العالم الاسلامي: ايران تعزز حزب الله واتباعه، بينما السعودية تشجع التحالف المسيحي – السني الاكثر اعتدالا. النتيجة، حسب الصحيفة، هي "السباق الاكثر تنافسا في لبنان منذ بضعة عقود، ولكن يحتمل أن تكون ايضا الاكثر فسادا".
الاستثمار يتضمن شراء الاصوات، اعطاء الرشاوى للمرشحين المتنافسين كي ينسحبوا من السباق، نقل الاموال الى قنوات التلفزيون وضمان التغطية العاطفة للمرشحين بل ونقل بالطيران لالاف المهاجرين من والى الوطن كي يشاركوا في الانتخابات. احمد الاسعد، مرشح يعارض حزب الله ويتنافس على مكان في منطقة الجنوب اعترف بان السعودية مولت جزءا هاما من حملته الانتخابية. وشرح يقول: "انا احتاج الى الادوات كي ارد الحرب (على حزب الله).
وتلقى العديد من اللبنانيين مؤخرا مكالمات هاتفية عرضت فيها عليهم المال الكثير مقابل تأييد مرشح معين. واطلقت ادعاءات ضد مرشحين (من مؤيدي السعودية) ولكن يبدو أن الدعم المالي الايراني اكبر. لا يزال من الصعب القول كم قلقة ادارة اوباما من امكانية سقوط لبنان في يد فرع ايران. في زيارتها الى بيروت في بداية الاسبوع، اختارت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالذات مهاجمة سوريا والمطالبة باجراء انتخابات حرة في لبنان، رغم التخوف من تعزز الهيمنة الايرانية.
في البرلمان اللبناني يوجد 128 مندوبا. حزب الله يحتاج الى اغلبية 65 عضو برلمان على الاقل (70 مندوبا سيكون رقما اكثر راحة)، كي يتمكن من اتخاذ القرارات كما يشاء. حسب التقديرات المختلفة، فان المعسكر الشيعي (حزب وأمل) كفيل بالحصول على 27 مندوبا. مع حليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة الجنرال المسيحي ميشيل عون، يمكن لتحالف حزب الله ان يتم 48 مندوبا. مطلوب له على الاقل 17 عضو برلمان آخرين، من السنة (العائلات المنافسة للحريري، مثل كرامة من طرابلس وسلام من بيروت) ومارونيين (مثل طوني فرنجية) ودروز (خصم وليد جنبلاط، طلال ارسلان، كفيل ان يساعدهم في هذا القطاع). في كل الاحوال، سيحتاج حزب الله الى سني يعين رئيسا للوزراء، كما يفترض الدستور. اذا نجحت المنظمة في جمع تحالف من 65 نائبا، فان المعنى هو ان تسيطر على ميزانية الدولة. المخصصات للطائفة الشيعية ستزداد جدا. ولكن ليس واضحا ماذا سيحصل للمساعدات الامريكية لميزانية الدولة وماذا سيكون مصير المساعدات الامنية الامريكية للجيش اللبناني.
اقامة تحالف بقيادة حزب الله سيعزز نفوذ المنظمة على الجيش، والذي اليوم ايضا لا بأس به. نحو ثلثي الضباط في الجيش اللبناني هم شيعة. رغم الانفتاح النسبي الذي تبديه ادارة اوباما تجاه المنظمات الاسلامية، من الصعب التصديق بان الكونغرس الامريكي سيوافق على أن ينقل ولو دولار واحد الى حكومة يشكلها حزب الله. ولا يزال، المنظمة ستسيطر على معابر الحدود والمطار والموانىء البحرية في لبنان. ولن تكون حاجة الى تهريب الوسائل القتالية. فهي ستنقل علنا.
وبالمقابل، فان الحكم سيخلق غير قليل من المشاكل لحزب الله. فعلى مدى سنوات اقامت المنظمة في لبنان "دولة داخل دولة". فماذا ستفعل بكل المؤسسات الاجتماعية التي اقامتها بتمويل ايراني؟ لحزب الله في الحكم سيكون قدر اكبر مما سيخسره في المواجهة مع اسرائيل. فهو لن يعود منظمة عصابات بل هيئة سيادية يفترض بها أن تعالج مشاكل كل سكان لبنان. مسألة اخرى ينبغي أن تقلق سكان لبنان، ولا سيما المسيحيين منهم هي كيف سيعمل حزب الله على المستوى الديني اذا ما انتصر في الانتخابات. هل سيحاول فرض تغيير ديني على الدولة، كاغلاق الاماكن التي تبيع الكحول، النوادي الليلية وقنوات التلفزيون.
يدعي البروفيسور زيسر بان التحالف بقيادة حزب الله وان كان يمكنه أن يرفع علم الصراع ضد اسرائيل والولايات المتحدة ولكنه لن يسود حب كبير بين الجماعات التي يتشكل منها. وبتقدير زيسر فان "حزب الله لا يمكنه أن يسيطر على مثل هذا التحالف وحده. واذا لم يتغير القانون الانتخابي، فان المنظمة ستحتاج الى مساعدة من الخارج، من نبيه بري من حركة "امل" مثلا. ويضيف زيسر بانه كثيرة الاحتمالات في أن تكون هذه حكومة اكثر راحة لحزب الله من حكومة جديدة يسيطر عليها حزب الله بشكل حصري.
عقيدة الضاحية
هل السيطرة الكاملة لحزب الله على لبنان هي أنباء سيئة لاسرائيل؟ ليس بالضرورة. يمكن الافتراض بانه في مثل هذه الحالة، فان الجهود الاعلامية الاسرائيلية للتطابق بين المنظمة الشيعية والحكم في بيروت، ستقع على اذان صاغية اكثر. وفي المستوى العسكري ايضا، في حالة اشتعال متجدد – سيناريو يخشاه حزب الله حتى الان، منذ الضربة التي تلقاها في الحرب في صيف 2006 – فان مهمة الجيش الاسرائيلي كفيلة بالذات بان تكون اسهل.
رغم أن مستوى الردع الاسرائيلي ضد حزب الله يعتبر اليوم عاليا، فانه لا يمكن باي حال وصف حرب لبنان الثانية بالنجاح من زاوية نظر اسرائيل. حجة الدفاع المركزية التي طرحها رئيس الاركان في الحرب، دان حلوتس، كانت أن الظروف السياسية ربطت عمليا يديه في خروجه الى الحرب. فقد اوصى حلوتس المرة تلو الاخرى بهجوم من الجو على البنى التحتية الاستراتيجية المدنية في لبنان، ولكن حكومة اولمرت رفضت اقتراحاته، ولا سيما في ضوء الفيتو الذي فرضته الادارة الامريكية على المس بمصالح حكومة السنيورة في بيروت.
يمكن بالتأكيد ادارة جدال افتراضي حول مدى المنفعة التي كانت ستسمدها اسرائيل من قصف البنى التحتية. ولكن ليس مؤكدا على الاطلاق أن الامر كان سيؤدي الى استسلام مبكر لحزب الله. اما عمليا، فلافكار حلوتس، رغم الانتقاد الشديد عليه بعد الحرب، تبقت اصداء ايضا في التفكير العسكري الحالي بالنسبة لحز بالله. الدليل الابرز على ذلك هو "عقيدة الضاحية" التي عرضها اللواء قائد المنطقة الشمالية غادي آيزنكوت في المقابلة مع "يديعوت احرونوت" في تشرين الاول من العام الماضي.
في الخلاصة، هدد آيزنكوت بانه عند الحاجة ستستخدم اسرائيل خطة توسع قدرة الدمار التي اظهرتها في القصف الجوي للحي الشيعي ("الضاحية") في الحرب الاخيرة. في كل قرية تطلق منها صواريخ على اسرائيل، قال، سيستخدم الجيش الاسرائيلي قوة غير متوازنة وسيلحق ضررا هائلا. وأوضح بان "هذه ليست توصية، هذه خطة وقد أقرت".
مقالان لباحثين في معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل أبيب طرحا افكارا مشابهة. العقيد احتياط جبريئيل سيبوني كتب بان اسرائيل ستكون مطالبة بان تستخدم "ضربة غير متوازنة" تمس اللباب الضعيف للعدو، "المس والمعاقبة بحجم يفترض سياقات اعادة بناء طويلة وباهظة"، في ظل تفضيل "المس بالاملاك على المطاردة لكل وسيلة اطلاق للصواريخ". اللواء احتياط غيورا ايلاند ادعى بان اسرائيل فشلت في 2006 لانها قاتلت ضد العدو غير الصحيح، حزب الله بدلا من الحكومة اللبنانية. واقترح ايلاند قبل نحو نصف سنة ان تنقل اسرائيل رسالة مسبقة الى الحكومة اللبنانية بموجبها الاشتعال المتجدد على الحدود سيكلف اللبنانيين تصفية جيشهم، هدم البنية التحتية المدنية واضرار جسيمة بالسكان المدنيين.
لو كانت هذه الامور صحيحة حين يكون ثلث وزراء الحكومة اللبنانية يطيعون حزب الله، فانها ستكون صحيحة أكثر بكثير حين توسع المنظمة سيطرتها. من زاوية نظر اسرائيل، في سيطرة حزب الله تكمن ايضا ميزة، لانها تبسط بقدر ما وضعا مركبا. لن تكون هناك حاجة للتمييز، الاجباري بعض الشيء، بين اللبنانيين "الاخيار" (السنيورة) واللبنانين "الاشرار" (حزب الله). هذا لا يعني بالطبع بان ادارة اوباما الاكثر حساسية تجاه استخدام القوة من ادارة بوش، ستوافق بالضرورة على قصف اسرائيلي للبنى التحتية في لبنان. وحزب الله، في كل الاحوال سيكون خصما لا ينبغي التقليل من مدى الضرر المحتمل الذي يمكنه ان يلحقه. ولكن سيطرة حزب الله على لبنان هو سيناريو يستدعي تفكيرا متجددا، اكثر مما يستدعي الفزع.
في كتابه الجديد "لبنان – دم في الارز"، يصف البروفيسور ايال زيسر، رئيس مركز دايان في جامعة تل أبيب، القرار المصيري الذي اتخذه حزب الله في العام 1992 للمشاركة في الانتخابات للبرلمان اللبناني. ورأى محللون مختلفون في التنافس في الانتخابات ذروة عملية "انفتاح" حزب الله على المجتمع اللبناني.
وكتب زيسر يقول ان "اولئك الذين يسارعون بالترحيب بالثورة التي اجتازها حزب الله، يجدر بنا ان نذكرهم بانه بالقدر الذي تصبح فيه هذه المنظمة قوة رائدة في لبنان، فان من شأنها أن تسعى الى احلال تغيير وجه هذه الدولة من الاساس – سواء من خلال الكفاح العنيف ام من خلال الكفاح السياسي الذي يدار باساليب ناعمة ويحسم في الانتخابات. وبتعبير آخر، يحتمل جدا أن تكون مسيرة "اللبننة" التي اجتازتها ظاهرا المنظمة، لا تعني في نهاية اليوم تحول منظمة حزب الله الى منظمة لبنانية بكل معنى الكلمة، بل تعني ان تكون العكس تماما – سيطرة المنظمة على لبنان بطريقة "لبنانية"".
ومع أنهم في القدس لا يكثرون من البحث الان في مستقبل العلاقات مع لبنان، الا ان اسرائيل قد تجد نفسها امام واقع امني وسياسي جديد على حدودها الشمالية بعد 7 حزيران. الانتخابات للبرلمان اللبناني هي حدث هام في المواجهة المتصاعدة بين المعتدلين والمتطرفين في العالم العربي والاسلامي. في لبنان سيقف حزب الله وحلفاؤه السياسيين امام الائتلاف الحالي، المعتدل، برئاسة سعد الدين الحريري، نجل رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، الذي قتل قبل اكثر من أربع سنوات. في المعسكر المعتدل يوجد ايضا رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة الذي يتمتع باسناد من الولايات المتحدة، فرنسا والدول السنية وعلى راسها السعودية. نجاح حزب الله في الانتخابات يبدو في هذه اللحظة كسيناريو محتمل بالتأكيد، ولكنه ينطوي ايضا على تعقيدات عديدة للمنظمة وبقدر ما فضائل معينة لاسرائيل.
المال – السلطة
في الاسبوع الماضي، تحدثت "نيويورك تايمز" عن أن حملة الانتخابات الحالية للبرلمان اللبناني تلوح كاحدى الحملات الاكثر كلفة في تاريخ الشرق الاوسط. حسب الصحيفة، ينصب على الدولة مئات ملايين الدولارات الرامية الى شراء الاصوات التي ستدخل الى البرلمان مرشحين مريحين للكتل المختلفة في العالم الاسلامي: ايران تعزز حزب الله واتباعه، بينما السعودية تشجع التحالف المسيحي – السني الاكثر اعتدالا. النتيجة، حسب الصحيفة، هي "السباق الاكثر تنافسا في لبنان منذ بضعة عقود، ولكن يحتمل أن تكون ايضا الاكثر فسادا".
الاستثمار يتضمن شراء الاصوات، اعطاء الرشاوى للمرشحين المتنافسين كي ينسحبوا من السباق، نقل الاموال الى قنوات التلفزيون وضمان التغطية العاطفة للمرشحين بل ونقل بالطيران لالاف المهاجرين من والى الوطن كي يشاركوا في الانتخابات. احمد الاسعد، مرشح يعارض حزب الله ويتنافس على مكان في منطقة الجنوب اعترف بان السعودية مولت جزءا هاما من حملته الانتخابية. وشرح يقول: "انا احتاج الى الادوات كي ارد الحرب (على حزب الله).
وتلقى العديد من اللبنانيين مؤخرا مكالمات هاتفية عرضت فيها عليهم المال الكثير مقابل تأييد مرشح معين. واطلقت ادعاءات ضد مرشحين (من مؤيدي السعودية) ولكن يبدو أن الدعم المالي الايراني اكبر. لا يزال من الصعب القول كم قلقة ادارة اوباما من امكانية سقوط لبنان في يد فرع ايران. في زيارتها الى بيروت في بداية الاسبوع، اختارت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالذات مهاجمة سوريا والمطالبة باجراء انتخابات حرة في لبنان، رغم التخوف من تعزز الهيمنة الايرانية.
في البرلمان اللبناني يوجد 128 مندوبا. حزب الله يحتاج الى اغلبية 65 عضو برلمان على الاقل (70 مندوبا سيكون رقما اكثر راحة)، كي يتمكن من اتخاذ القرارات كما يشاء. حسب التقديرات المختلفة، فان المعسكر الشيعي (حزب وأمل) كفيل بالحصول على 27 مندوبا. مع حليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة الجنرال المسيحي ميشيل عون، يمكن لتحالف حزب الله ان يتم 48 مندوبا. مطلوب له على الاقل 17 عضو برلمان آخرين، من السنة (العائلات المنافسة للحريري، مثل كرامة من طرابلس وسلام من بيروت) ومارونيين (مثل طوني فرنجية) ودروز (خصم وليد جنبلاط، طلال ارسلان، كفيل ان يساعدهم في هذا القطاع). في كل الاحوال، سيحتاج حزب الله الى سني يعين رئيسا للوزراء، كما يفترض الدستور. اذا نجحت المنظمة في جمع تحالف من 65 نائبا، فان المعنى هو ان تسيطر على ميزانية الدولة. المخصصات للطائفة الشيعية ستزداد جدا. ولكن ليس واضحا ماذا سيحصل للمساعدات الامريكية لميزانية الدولة وماذا سيكون مصير المساعدات الامنية الامريكية للجيش اللبناني.
اقامة تحالف بقيادة حزب الله سيعزز نفوذ المنظمة على الجيش، والذي اليوم ايضا لا بأس به. نحو ثلثي الضباط في الجيش اللبناني هم شيعة. رغم الانفتاح النسبي الذي تبديه ادارة اوباما تجاه المنظمات الاسلامية، من الصعب التصديق بان الكونغرس الامريكي سيوافق على أن ينقل ولو دولار واحد الى حكومة يشكلها حزب الله. ولا يزال، المنظمة ستسيطر على معابر الحدود والمطار والموانىء البحرية في لبنان. ولن تكون حاجة الى تهريب الوسائل القتالية. فهي ستنقل علنا.
وبالمقابل، فان الحكم سيخلق غير قليل من المشاكل لحزب الله. فعلى مدى سنوات اقامت المنظمة في لبنان "دولة داخل دولة". فماذا ستفعل بكل المؤسسات الاجتماعية التي اقامتها بتمويل ايراني؟ لحزب الله في الحكم سيكون قدر اكبر مما سيخسره في المواجهة مع اسرائيل. فهو لن يعود منظمة عصابات بل هيئة سيادية يفترض بها أن تعالج مشاكل كل سكان لبنان. مسألة اخرى ينبغي أن تقلق سكان لبنان، ولا سيما المسيحيين منهم هي كيف سيعمل حزب الله على المستوى الديني اذا ما انتصر في الانتخابات. هل سيحاول فرض تغيير ديني على الدولة، كاغلاق الاماكن التي تبيع الكحول، النوادي الليلية وقنوات التلفزيون.
يدعي البروفيسور زيسر بان التحالف بقيادة حزب الله وان كان يمكنه أن يرفع علم الصراع ضد اسرائيل والولايات المتحدة ولكنه لن يسود حب كبير بين الجماعات التي يتشكل منها. وبتقدير زيسر فان "حزب الله لا يمكنه أن يسيطر على مثل هذا التحالف وحده. واذا لم يتغير القانون الانتخابي، فان المنظمة ستحتاج الى مساعدة من الخارج، من نبيه بري من حركة "امل" مثلا. ويضيف زيسر بانه كثيرة الاحتمالات في أن تكون هذه حكومة اكثر راحة لحزب الله من حكومة جديدة يسيطر عليها حزب الله بشكل حصري.
عقيدة الضاحية
هل السيطرة الكاملة لحزب الله على لبنان هي أنباء سيئة لاسرائيل؟ ليس بالضرورة. يمكن الافتراض بانه في مثل هذه الحالة، فان الجهود الاعلامية الاسرائيلية للتطابق بين المنظمة الشيعية والحكم في بيروت، ستقع على اذان صاغية اكثر. وفي المستوى العسكري ايضا، في حالة اشتعال متجدد – سيناريو يخشاه حزب الله حتى الان، منذ الضربة التي تلقاها في الحرب في صيف 2006 – فان مهمة الجيش الاسرائيلي كفيلة بالذات بان تكون اسهل.
رغم أن مستوى الردع الاسرائيلي ضد حزب الله يعتبر اليوم عاليا، فانه لا يمكن باي حال وصف حرب لبنان الثانية بالنجاح من زاوية نظر اسرائيل. حجة الدفاع المركزية التي طرحها رئيس الاركان في الحرب، دان حلوتس، كانت أن الظروف السياسية ربطت عمليا يديه في خروجه الى الحرب. فقد اوصى حلوتس المرة تلو الاخرى بهجوم من الجو على البنى التحتية الاستراتيجية المدنية في لبنان، ولكن حكومة اولمرت رفضت اقتراحاته، ولا سيما في ضوء الفيتو الذي فرضته الادارة الامريكية على المس بمصالح حكومة السنيورة في بيروت.
يمكن بالتأكيد ادارة جدال افتراضي حول مدى المنفعة التي كانت ستسمدها اسرائيل من قصف البنى التحتية. ولكن ليس مؤكدا على الاطلاق أن الامر كان سيؤدي الى استسلام مبكر لحزب الله. اما عمليا، فلافكار حلوتس، رغم الانتقاد الشديد عليه بعد الحرب، تبقت اصداء ايضا في التفكير العسكري الحالي بالنسبة لحز بالله. الدليل الابرز على ذلك هو "عقيدة الضاحية" التي عرضها اللواء قائد المنطقة الشمالية غادي آيزنكوت في المقابلة مع "يديعوت احرونوت" في تشرين الاول من العام الماضي.
في الخلاصة، هدد آيزنكوت بانه عند الحاجة ستستخدم اسرائيل خطة توسع قدرة الدمار التي اظهرتها في القصف الجوي للحي الشيعي ("الضاحية") في الحرب الاخيرة. في كل قرية تطلق منها صواريخ على اسرائيل، قال، سيستخدم الجيش الاسرائيلي قوة غير متوازنة وسيلحق ضررا هائلا. وأوضح بان "هذه ليست توصية، هذه خطة وقد أقرت".
مقالان لباحثين في معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل أبيب طرحا افكارا مشابهة. العقيد احتياط جبريئيل سيبوني كتب بان اسرائيل ستكون مطالبة بان تستخدم "ضربة غير متوازنة" تمس اللباب الضعيف للعدو، "المس والمعاقبة بحجم يفترض سياقات اعادة بناء طويلة وباهظة"، في ظل تفضيل "المس بالاملاك على المطاردة لكل وسيلة اطلاق للصواريخ". اللواء احتياط غيورا ايلاند ادعى بان اسرائيل فشلت في 2006 لانها قاتلت ضد العدو غير الصحيح، حزب الله بدلا من الحكومة اللبنانية. واقترح ايلاند قبل نحو نصف سنة ان تنقل اسرائيل رسالة مسبقة الى الحكومة اللبنانية بموجبها الاشتعال المتجدد على الحدود سيكلف اللبنانيين تصفية جيشهم، هدم البنية التحتية المدنية واضرار جسيمة بالسكان المدنيين.
لو كانت هذه الامور صحيحة حين يكون ثلث وزراء الحكومة اللبنانية يطيعون حزب الله، فانها ستكون صحيحة أكثر بكثير حين توسع المنظمة سيطرتها. من زاوية نظر اسرائيل، في سيطرة حزب الله تكمن ايضا ميزة، لانها تبسط بقدر ما وضعا مركبا. لن تكون هناك حاجة للتمييز، الاجباري بعض الشيء، بين اللبنانيين "الاخيار" (السنيورة) واللبنانين "الاشرار" (حزب الله). هذا لا يعني بالطبع بان ادارة اوباما الاكثر حساسية تجاه استخدام القوة من ادارة بوش، ستوافق بالضرورة على قصف اسرائيلي للبنى التحتية في لبنان. وحزب الله، في كل الاحوال سيكون خصما لا ينبغي التقليل من مدى الضرر المحتمل الذي يمكنه ان يلحقه. ولكن سيطرة حزب الله على لبنان هو سيناريو يستدعي تفكيرا متجددا، اكثر مما يستدعي الفزع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق