يهنّئ المسؤولون الأردنيون بعضهم بعضاً، مبتهجين بما يرونه خروجاً من عزلة دامت أشهراً عن مجرى السياسة الإقليمية التي شهدت تغييرات في موازين القوى لمصلحة قوى الممانعة، وتبلورت خصوصاً بعد انتخاب باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة.
ترى عمان أنها حققت اختراقاً، أولاً بسبب منحها ما تسميه تفويضاً من جانب العرب لتقديم رؤية ملموسة ومجدولة زمنياً للسلام مع إسرائيل، وثانياً بسبب أن الملك عبد الله الثاني كان الزعيم العربي الأول الذي يستقبله البيت الأبيض قبل سواه من العرب، بل قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وبينما يقوم الملك بجولة عربية للتباحث في الخطوة التالية، سيطلع وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، نظراءه في لجنة المتابعة العربية على مباحثات الملك ــــ أوباما.
على أن النشاط الدبلوماسي، مهما كان مثابراً وناجحاً، لا يمنح لبلد ما دوراً إلا بالاستناد إلى أوراق قوة. وعمان لا تملك في الحقيقة أياً منها. فالدعم الذي تتلقاه من الرياض محدود ومشروط وأبوي، وعلاقاتها مع دمشق هشة للغاية، ومع القاهرة ملتبسة وتنافسية، ومع «حماس» - والمعارضة اللبنانية - مقطوعة، بل ليس لها نفوذ جدي في السلطة الفلسطينية الخاضعة كلياً للنفوذين المصري والإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن تل أبيب، على رغم معاهدة وادي عربة والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع، انتقلت، مع حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو - ليبرمان، إلى موقف عدائي نحو الأردن الذي يُعدّه الأول في كتابه «مكان تحت الشمس» قسماً من أرض فلسطين التاريخية، تنازل عنها اليهود لمصلحة العرب الفلسطينيين!
إلا أنّ الدبلوماسية الأردنية، تملك ورقة تؤهلها للعب دور في الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وهي نقطة ضعف لا نقطة قوّة: التوطين السياسي النهائي للاجئين.
القسم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين لعام 48 موجود في الأردن، بالإضافة إلى الأغلبية الساحقة من نازحي الـ67. ويحظى هؤلاء بالجنسية الأردنية وبكل الحقوق الدستورية، ويمثّلون نحو نصف مواطني المملكة، وذلك بالإضافة إلى ما يقرب من مليون فلسطيني من غزة والضفة الغربية، غير مجنسين، ولكنهم يحظون بظروف معيشية وحقوق لا تتوافر للاجئين القدماء في لبنان وحتى في سوريا.
وفي الحقيقة، فإننا عندما نتحدث عن قضية لاجئين ونازحين ومهجرين فلسطينيين فعلية، فإننا نتحدث عن الأردن تحديداً. وهذا هو السبب في أن هذه القضية ليست مطروحة جدياً وعملياً على جدول الأعمال الفلسطيني خارج لبنان، حيث يعاني الفلسطينيون حصاراً عنصرياً، وفي سوريا حيث قامت معادلة حساسة من منح الحقوق المدنية للاجئين والحفاظ في الوقت نفسه على هويتهم السياسية.
لكن، عندما نتحدث عن إحصاءات ديموغرافية، نجد أن 40 إلى 50 في المئة من إجمالي الشعب الفلسطيني يعيشون في الأردن، مواطنين أو مقيمين، مما يجعل التوصل إلى حلول واقعية لبضع مئات الآلاف من اللاجئين في لبنان وسوريا ليس أمراً مستحيلاً، سواء باستيعاب بعضهم في الدولة الفلسطينية العتيدة أو في الأردن أو في المهاجر أو في كل هذه الأماكن معاً.
في تقرير إحصائي لمجلة «فوربس» نشرته الصحافة الأردنية الإلكترونية الأسبوع الماضي، تبين أن 66 في المئة من أغنى 50 عائلة في الأردن هي فلسطينية. وتقدر ثروات هذه العائلات، كلاً على حدة، بأكثر من مليار دولار. وتؤكد السجلات التجارية والصناعية والخدمية والعقارية وعضويات مجالس إدارة الشركات الكبرى والمتوسطة وحملة الأسهم... أن نسبة المكوّن الفلسطيني تظل نفسها، بين 66 و70 في المئة، إذا أحصينا أغنى ألف أو عشرة آلاف عائلة في الأردن.
ويكاد لا يجادل أحد بأن المكوّن الفلسطيني هو الغالب في الرأسمالية الأردنية. ومع ذلك، فإن الرأسماليين الفلسطينيين في الأردن لا يحظون بوزن سياسي مقابل. ويرجع ذلك إلى أربعة أسباب:
الأول تشترك به كل مكوّنات الرأسمالية الأردنية، وهو أن طابعها الكمبرادوري والمالي - العقاري لا يفرض عليها ارتباطاً عضوياً بالمجتمع والدولة والوطن، وهو ارتباط ينشأ، بالأساس، من انخراط الرأسمالية المحلية في نظام إنتاجي محلي متعاضد يقوم على محلية التكوين الرأسمالي والنشاط الإنتاجي والخبرة والعمالة. وهذا النظام غير موجود في الاقتصاد الأردني الذي ظلت وطنيته مرتبطة بالقطاع العام، وهو الذي صُفّي في العقد الأخير. ويتمثل السبب الثاني في مقاومة البنى التقليدية للنظام السياسي الأردني، والعشائر، لمنح ممثلي الرأسمالية الليبرالية الناشئة ككل، أردنية وفلسطينية، دوراً أو حجماً سياسياً. ولا يزال الرأسماليون الأردنيون يحصلون على مواقع سياسية بفضل ارتباطهم التقليدي بأجهزة الدولة والعشائر، بينما نظراؤهم الفلسطينيون، وهذا هو السبب الثالث في تهميشهم السياسي، تكوّنوا خارج الدولة، ولا يرتبطون في الوقت نفسه بقواعد اجتماعية خارجها. إنهم مبتورو الصلة بالجماهير والقضية الفلسطينية، مثلما أنهم ينظرون إلى أبناء العشائر بوصفهم رجعيين ومتخلفين. ويبقى السبب الرابع الذي يعني العناصر الديناميكية من الفلسطينيين - الأردنيين عموماً، وهو أنهم يتجهون إلى الأنشطة التجارية محكومين بعقلية ميركنتيلية، ولا يزودون المجتمع بنخب فكرية أو سياسية أو صحافية أو ثقافية، مثلما كان الحال حتى نهاية عقد السبعينيات.
وهكذا، فإننا عندما نقوم بإحصاء لمكوّنات النخب غير الاقتصادية في الأردن، تنقلب النسب لمصلحة الأردنيين.
لا يعاني الفلسطينيون في الأردن ظروفاً ضاغطة في كل المجالات، إلا من حيث حصتهم في التمثيل السياسي، التي هي أصغر من حجمهم الديموغرافي والاقتصادي. وهذا هو ما تسميه النخب الفلسطينية في الأردن «بالحقوق المنقوصة». وهو وصف دقيق نوعاً ما، من حيث إنه يعترف بأن الفلسطينيين يحظون بحقوق في الأردن ولكنها ليست كاملة، بالنظر إلى أنهم لا يتمتعون بكوتا سياسية مناسبة. وتصف هذه النخب الوطنيين الأردنيين الذين يؤكدون على حق العودة، بأنهم «عنصريون»، على رغم أن هؤلاء «العنصريين»، المتهمين من نخب النظام بأنهم «عملاء» لسوريا، لا يريدون المساس بالحقوق المدنية للفلسطيني في الأردن، ولكن الحفاظ على هويته المتعاضدة مع هوية الأردني في مواجهة العدو المشترك، إسرائيل.
قبل الصدام بين النظام الأردني و«فتح» عام 1970، على تمثيل الضفة الغربية على طاولة المفاوضات مع إسرائيل، لم يكن فلسطينيو الأردن يعانون أي نقص في الحقوق السياسية. فقد كان التمثيل السياسي في البرلمان والحكومة والمناصب العليا في أجهزة الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، موزعاً مناصفة بين الضفتين. وكان العنصر المظلوم في هذه المعادلة الناجمة عن وحدة الضفتين في 1950، هم لاجئو 1948. ولا يزال هؤلاء، حتى الآن، هم العنصر الأكثر تهميشاً. فالنخب الفلسطينية المطالبة بحقوق المناصفة في الأردن معظمها من الضفة الغربية.
حينذاك، أدرك النظام الأردني، الذي ربح عسكرياً، أنه خسر معركته السياسية على تمثيل الضفة الغربية، فبدأ يقلص حضور أبنائها في صفوفه، جزئياً منذ عام 1974 حين صدر قرار قمة الرباط باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية «ممثلاً شرعياً ووحيداً» للشعب الفلسطيني، ومن ثم إلى حد كبير، منذ إعلان الانفصال القانوني بين الضفتين عام 1988.
هكذا نكون وضعنا اليد على أسرار «الورقة» التي تريد أن تلعبها الدبلوماسية الأردنية، بحثاً عن دور ومكان وقوة. إنها ورقة الاستيعاب الديموغرافي السياسي لجميع الفلسطينيين في الأردن في سياق إعادة تكوين النظام والدولة والهوية على أساس المناصفة والثنائية الوطنية. وهو الاقتراح الذي كان منظر «الحقوق المنقوصة» الرئيسي، عدنان أبو عودة، قد قدّمه مبكراً في كتابه (بالإنكليزية) «الأردنيون والفلسطينيون والمملكة الأردنية الهاشمية».
في إطار حل «ملموس وعملي» للقضية الفلسطينية، ستتولى عمان معالجة ملف اللاجئين والنازحين والمهجرين الفلسطينيين، سياسياً ونهائياً في الأردن وعلى حسابه. وهي بذلك تزيل أحد أهم معوّقات الحل من الجانب العربي، وتمنح المبادرة العربية مضموناً جديداً يُحرج اليمين الإسرائيلي، ويمكن إدارة أوباما من الضغط على تل أبيب للموافقة على إقامة دولة فلسطينية في حدود «واقعية»، لا حدود الـ 67، ومسيطر عليها من قوات أطلسية.
ماذا تريد إسرائيل أكثر من تأمين هذين الحلين لقضيتي اللاجئين والأمن، لكي توافق على الدولة الفلسطينية وتنال جائزة حياتها في علاقات دبلوماسية وتطبيعية مع 57 دولة عربية ومسلمة؟ هذا هو منطق الدبلوماسية الأردنية التي ترى أنها تملك واحدة من ورقتي الحل.
لكن للورقة الأردنية، على أهميتها للحل، عيباً أساسياً ينسفها. وهو أن الملوّحين بها لا يملكونها! بل يملكها المجتمع الأردني الذي اكتوى بالتجربة التاريخية المريرة للتدخل الرسمي في الشأن الفلسطيني، وطوّر ورسّخ هوية سياسية صلبة لن يكون ممكناً إذابتها من دون تفكيك البلد والدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية.
وتدلنا تجربة الحاكم الأميركي بول بريمر في العراق إلى أن تفكيك الدول وإعادة تركيبها، ومن ثم إدراجها في عملية سياسية ليبرالية على مقاس الهيمنة الأميركية - والإسرائيلية في حالة الأردن - هو مجرد شطحة في كتابات المحافظين الجدد، لكن تطبيقها في الواقع يقود إلى كارثة.
هل تدرك الدبلوماسية الأردنية أنها تحمل ورقة هي عبارة عن قنبلة موقوتة ستنفجر داخلياً في أية لحظة؟ أم أنها تقامر بورقتها الأخيرة في مسعى لتجنّب الخيار الصعب، بين التهميش والمواجهة مع إسرائيل؟
ترى عمان أنها حققت اختراقاً، أولاً بسبب منحها ما تسميه تفويضاً من جانب العرب لتقديم رؤية ملموسة ومجدولة زمنياً للسلام مع إسرائيل، وثانياً بسبب أن الملك عبد الله الثاني كان الزعيم العربي الأول الذي يستقبله البيت الأبيض قبل سواه من العرب، بل قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وبينما يقوم الملك بجولة عربية للتباحث في الخطوة التالية، سيطلع وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، نظراءه في لجنة المتابعة العربية على مباحثات الملك ــــ أوباما.
على أن النشاط الدبلوماسي، مهما كان مثابراً وناجحاً، لا يمنح لبلد ما دوراً إلا بالاستناد إلى أوراق قوة. وعمان لا تملك في الحقيقة أياً منها. فالدعم الذي تتلقاه من الرياض محدود ومشروط وأبوي، وعلاقاتها مع دمشق هشة للغاية، ومع القاهرة ملتبسة وتنافسية، ومع «حماس» - والمعارضة اللبنانية - مقطوعة، بل ليس لها نفوذ جدي في السلطة الفلسطينية الخاضعة كلياً للنفوذين المصري والإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن تل أبيب، على رغم معاهدة وادي عربة والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع، انتقلت، مع حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو - ليبرمان، إلى موقف عدائي نحو الأردن الذي يُعدّه الأول في كتابه «مكان تحت الشمس» قسماً من أرض فلسطين التاريخية، تنازل عنها اليهود لمصلحة العرب الفلسطينيين!
إلا أنّ الدبلوماسية الأردنية، تملك ورقة تؤهلها للعب دور في الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وهي نقطة ضعف لا نقطة قوّة: التوطين السياسي النهائي للاجئين.
القسم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين لعام 48 موجود في الأردن، بالإضافة إلى الأغلبية الساحقة من نازحي الـ67. ويحظى هؤلاء بالجنسية الأردنية وبكل الحقوق الدستورية، ويمثّلون نحو نصف مواطني المملكة، وذلك بالإضافة إلى ما يقرب من مليون فلسطيني من غزة والضفة الغربية، غير مجنسين، ولكنهم يحظون بظروف معيشية وحقوق لا تتوافر للاجئين القدماء في لبنان وحتى في سوريا.
وفي الحقيقة، فإننا عندما نتحدث عن قضية لاجئين ونازحين ومهجرين فلسطينيين فعلية، فإننا نتحدث عن الأردن تحديداً. وهذا هو السبب في أن هذه القضية ليست مطروحة جدياً وعملياً على جدول الأعمال الفلسطيني خارج لبنان، حيث يعاني الفلسطينيون حصاراً عنصرياً، وفي سوريا حيث قامت معادلة حساسة من منح الحقوق المدنية للاجئين والحفاظ في الوقت نفسه على هويتهم السياسية.
لكن، عندما نتحدث عن إحصاءات ديموغرافية، نجد أن 40 إلى 50 في المئة من إجمالي الشعب الفلسطيني يعيشون في الأردن، مواطنين أو مقيمين، مما يجعل التوصل إلى حلول واقعية لبضع مئات الآلاف من اللاجئين في لبنان وسوريا ليس أمراً مستحيلاً، سواء باستيعاب بعضهم في الدولة الفلسطينية العتيدة أو في الأردن أو في المهاجر أو في كل هذه الأماكن معاً.
في تقرير إحصائي لمجلة «فوربس» نشرته الصحافة الأردنية الإلكترونية الأسبوع الماضي، تبين أن 66 في المئة من أغنى 50 عائلة في الأردن هي فلسطينية. وتقدر ثروات هذه العائلات، كلاً على حدة، بأكثر من مليار دولار. وتؤكد السجلات التجارية والصناعية والخدمية والعقارية وعضويات مجالس إدارة الشركات الكبرى والمتوسطة وحملة الأسهم... أن نسبة المكوّن الفلسطيني تظل نفسها، بين 66 و70 في المئة، إذا أحصينا أغنى ألف أو عشرة آلاف عائلة في الأردن.
ويكاد لا يجادل أحد بأن المكوّن الفلسطيني هو الغالب في الرأسمالية الأردنية. ومع ذلك، فإن الرأسماليين الفلسطينيين في الأردن لا يحظون بوزن سياسي مقابل. ويرجع ذلك إلى أربعة أسباب:
الأول تشترك به كل مكوّنات الرأسمالية الأردنية، وهو أن طابعها الكمبرادوري والمالي - العقاري لا يفرض عليها ارتباطاً عضوياً بالمجتمع والدولة والوطن، وهو ارتباط ينشأ، بالأساس، من انخراط الرأسمالية المحلية في نظام إنتاجي محلي متعاضد يقوم على محلية التكوين الرأسمالي والنشاط الإنتاجي والخبرة والعمالة. وهذا النظام غير موجود في الاقتصاد الأردني الذي ظلت وطنيته مرتبطة بالقطاع العام، وهو الذي صُفّي في العقد الأخير. ويتمثل السبب الثاني في مقاومة البنى التقليدية للنظام السياسي الأردني، والعشائر، لمنح ممثلي الرأسمالية الليبرالية الناشئة ككل، أردنية وفلسطينية، دوراً أو حجماً سياسياً. ولا يزال الرأسماليون الأردنيون يحصلون على مواقع سياسية بفضل ارتباطهم التقليدي بأجهزة الدولة والعشائر، بينما نظراؤهم الفلسطينيون، وهذا هو السبب الثالث في تهميشهم السياسي، تكوّنوا خارج الدولة، ولا يرتبطون في الوقت نفسه بقواعد اجتماعية خارجها. إنهم مبتورو الصلة بالجماهير والقضية الفلسطينية، مثلما أنهم ينظرون إلى أبناء العشائر بوصفهم رجعيين ومتخلفين. ويبقى السبب الرابع الذي يعني العناصر الديناميكية من الفلسطينيين - الأردنيين عموماً، وهو أنهم يتجهون إلى الأنشطة التجارية محكومين بعقلية ميركنتيلية، ولا يزودون المجتمع بنخب فكرية أو سياسية أو صحافية أو ثقافية، مثلما كان الحال حتى نهاية عقد السبعينيات.
وهكذا، فإننا عندما نقوم بإحصاء لمكوّنات النخب غير الاقتصادية في الأردن، تنقلب النسب لمصلحة الأردنيين.
لا يعاني الفلسطينيون في الأردن ظروفاً ضاغطة في كل المجالات، إلا من حيث حصتهم في التمثيل السياسي، التي هي أصغر من حجمهم الديموغرافي والاقتصادي. وهذا هو ما تسميه النخب الفلسطينية في الأردن «بالحقوق المنقوصة». وهو وصف دقيق نوعاً ما، من حيث إنه يعترف بأن الفلسطينيين يحظون بحقوق في الأردن ولكنها ليست كاملة، بالنظر إلى أنهم لا يتمتعون بكوتا سياسية مناسبة. وتصف هذه النخب الوطنيين الأردنيين الذين يؤكدون على حق العودة، بأنهم «عنصريون»، على رغم أن هؤلاء «العنصريين»، المتهمين من نخب النظام بأنهم «عملاء» لسوريا، لا يريدون المساس بالحقوق المدنية للفلسطيني في الأردن، ولكن الحفاظ على هويته المتعاضدة مع هوية الأردني في مواجهة العدو المشترك، إسرائيل.
قبل الصدام بين النظام الأردني و«فتح» عام 1970، على تمثيل الضفة الغربية على طاولة المفاوضات مع إسرائيل، لم يكن فلسطينيو الأردن يعانون أي نقص في الحقوق السياسية. فقد كان التمثيل السياسي في البرلمان والحكومة والمناصب العليا في أجهزة الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، موزعاً مناصفة بين الضفتين. وكان العنصر المظلوم في هذه المعادلة الناجمة عن وحدة الضفتين في 1950، هم لاجئو 1948. ولا يزال هؤلاء، حتى الآن، هم العنصر الأكثر تهميشاً. فالنخب الفلسطينية المطالبة بحقوق المناصفة في الأردن معظمها من الضفة الغربية.
حينذاك، أدرك النظام الأردني، الذي ربح عسكرياً، أنه خسر معركته السياسية على تمثيل الضفة الغربية، فبدأ يقلص حضور أبنائها في صفوفه، جزئياً منذ عام 1974 حين صدر قرار قمة الرباط باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية «ممثلاً شرعياً ووحيداً» للشعب الفلسطيني، ومن ثم إلى حد كبير، منذ إعلان الانفصال القانوني بين الضفتين عام 1988.
هكذا نكون وضعنا اليد على أسرار «الورقة» التي تريد أن تلعبها الدبلوماسية الأردنية، بحثاً عن دور ومكان وقوة. إنها ورقة الاستيعاب الديموغرافي السياسي لجميع الفلسطينيين في الأردن في سياق إعادة تكوين النظام والدولة والهوية على أساس المناصفة والثنائية الوطنية. وهو الاقتراح الذي كان منظر «الحقوق المنقوصة» الرئيسي، عدنان أبو عودة، قد قدّمه مبكراً في كتابه (بالإنكليزية) «الأردنيون والفلسطينيون والمملكة الأردنية الهاشمية».
في إطار حل «ملموس وعملي» للقضية الفلسطينية، ستتولى عمان معالجة ملف اللاجئين والنازحين والمهجرين الفلسطينيين، سياسياً ونهائياً في الأردن وعلى حسابه. وهي بذلك تزيل أحد أهم معوّقات الحل من الجانب العربي، وتمنح المبادرة العربية مضموناً جديداً يُحرج اليمين الإسرائيلي، ويمكن إدارة أوباما من الضغط على تل أبيب للموافقة على إقامة دولة فلسطينية في حدود «واقعية»، لا حدود الـ 67، ومسيطر عليها من قوات أطلسية.
ماذا تريد إسرائيل أكثر من تأمين هذين الحلين لقضيتي اللاجئين والأمن، لكي توافق على الدولة الفلسطينية وتنال جائزة حياتها في علاقات دبلوماسية وتطبيعية مع 57 دولة عربية ومسلمة؟ هذا هو منطق الدبلوماسية الأردنية التي ترى أنها تملك واحدة من ورقتي الحل.
لكن للورقة الأردنية، على أهميتها للحل، عيباً أساسياً ينسفها. وهو أن الملوّحين بها لا يملكونها! بل يملكها المجتمع الأردني الذي اكتوى بالتجربة التاريخية المريرة للتدخل الرسمي في الشأن الفلسطيني، وطوّر ورسّخ هوية سياسية صلبة لن يكون ممكناً إذابتها من دون تفكيك البلد والدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية.
وتدلنا تجربة الحاكم الأميركي بول بريمر في العراق إلى أن تفكيك الدول وإعادة تركيبها، ومن ثم إدراجها في عملية سياسية ليبرالية على مقاس الهيمنة الأميركية - والإسرائيلية في حالة الأردن - هو مجرد شطحة في كتابات المحافظين الجدد، لكن تطبيقها في الواقع يقود إلى كارثة.
هل تدرك الدبلوماسية الأردنية أنها تحمل ورقة هي عبارة عن قنبلة موقوتة ستنفجر داخلياً في أية لحظة؟ أم أنها تقامر بورقتها الأخيرة في مسعى لتجنّب الخيار الصعب، بين التهميش والمواجهة مع إسرائيل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق